إدريس الناصري يكتب : الحرية – قصة قصيرة

اليوم هو الاحد موعد المقابلة في الوظيفة الجديدة، بالامس قابلت صديق لي لم اراه منذ مدة طويلة في المقهى التي اتواجد فيها عادةٍ بشكل يومي،بعد ان قمنا بتحية بعضنا وانا بادرة وفتحت ذراعاي لكي اعانقه ،لاني صعقت من الفرحة عند رؤيته بعد هذه السنوات من الفراق، لاننا لم نكن نفترق ابدا عندما كنا طلاب في المدرسة الثانوية ،لكن استمارة القبول المركزي للتعليم الجامعي أبت الا ان تفرقنا ،وبعيداً عن كمية الظلم الذي نتحمله في عدم انصاف رغباتنا في اختيار الكلية التي نرغب في الانضمام اليها بسبب ملأنا تلك الاستمارة ،الا ان سبب تفرقتنا عن من امضينا سنوات عمرنا الاولى معهم وجمعتنا بهم مواقف وذكريات لا حصر لها، يضل هو من اكثرالمساوئ التي تشوب تلك الالية البائسة .

كان قد تغير شكله عن السابق فالان هو اكثر وسامة، وبدا من مظهره الانيق و ساعته الباهظة الثمن و هاتفه المحمول الذي كان سعره يعادل ثلاثة اضعاف راتبي في اخر وظيفه كنت اعمل بها ،انه مرتاح مادياً ، طلبت منه الجلوس لكي يشرب الشاي معي ، وافق على الفور و رحنا نسترجع ذكريات الدراسة والمواقف المضحكة والشقية، كم هي جميلة تلك الايام لم يكن هناك شيء يعكر صفو اذهاننا التي لاتكترث ولاتبالي الى اي شيء سوى الضحك، على عكس هذه الايام التي اصبحنا نقرأ كتباً تعلمنا فن اللامبالاة وفي الحقيقة لا اعرف كيف تصنف فناً . ..

وبعدما شربنا الشاي وضحكنا على ماضينا و تذكرنا الاسماء التي كانت معنا و اين هم الان وماذا حل بهم اتى الدور علينا،

فقمت بسؤاله،

-ماهي اخبارك انت هل تزوجت ؟

اجابني: نعم، ولديه طفلان .

_ هل توظفت ؟

_نعم ، انا مدير في احد المصارف .

_ جيد انه امرا رائع اتمنى لك التوفيق .

فسالني هو وماذا عنك انت ؟

_ انا تنقلت بين الكثير من الوظائف منذ تخرجي و الان انا عاطل عن العمل .

_الم تتزوج ؟

_ هههههه اعوذ بالله ، يكفيني ما اقترفته من ذنوب.

_هههه ،حسنا ابقى يقظاً دائماً .

_اذن انت الان من دون عمل ؟

_نعم .

_لكن لماذا لم تستقر في وظيفة ؟

_ لاني لم اعد احتمل العمل مع ارباب العمل في القطاع الخاص ،الاقطاعيين الجدد ، فهم يستنزفون طاقتنا و مجهودنا و يعطونا الفتات ،فضلا عن طريقة التعامل الفظة التي تعيدك الى زمن العبودية الا انه لا توجد سياط اليوم ، فقررت ان اخذ استراحة و ان افكر في هدوء ، واني اتنفس الحرية من جديد على الرغم من اني لا املك الكثير الا اني اشعر باني امتلك اغلى واثمن الاشياء في هذا الوجود ، وهو الشعور اني حر .

_هناك وظيفة اعتقد انها تناسبك ؟

_لا ،شكراً، انا اشعر بالراحة الان هكذا .

_ غداً موعد المقابلة سوف ارسلك العنوان واذهب قابل هي محاولة قد تعجبك ،لن تخسر شيئا ،انا متاكد انه سوف تعجبك فانت ذكي ومثابر كما اعرفك ،اضافة الى انهم شركة مهنية و تقدر الموظف الجيد انتهى النقاش .

_ ولكن .. ….

– اش …اش … اطلب لنا الشاي .

استمرينا بالحديث طويلاً وطلبنا الشاي اكثر من مرة ،فلا شيء اكثر من الشاي في هذه المقهى ، فهي مقهى بسيطة شعبية لم تصب بسعار الكافيهات الحديثة و المقاهي الثقافية التي تقدم انواع متعددة من القهوة والمشروبات الساخنة والباردة . بعد ذلك تذكر ان لديه موعد مع احد الاشخاص ويجب عليه المغادرة ، قام بتوديعي وغادر .

كالعادة يجب عليه ان ارتدي ملابس رسمية عند اجراء مقابلة عمل ، فهذا هو العرف السائد

في المقابلات .ارتديت ملابسي واستقليت سيارة أجرة . في الطريق وأنا أفكر ماهي طبيعة هذه الوظيفة فصديقي لم يخبرني بأي شيء يخص الوظيفة ما عدا عنوان الشركة . راودني شعور بالخوف و الارتياب وبدأت الوساوس تتسلل الى عقلي فأنا لا أعرف ماذا ينتظرني ،حتى وصلت الى الشركة .

الآن انا في باب الشركة ،يوجد هناك موظف امن قام بتفتيشي ، بعدها أخبرته اني لديه مقابلة للتوظيف . قال يجب ان تصعد الى قسم الموارد البشرية في الطابق العلوي . بحثت عن السلم لان الشركة لم يكن فيها مصعد . اخيرا وجدته ،عندما وطأت قدمي اول درجة من السلم ،زاد شعوري بالخوف و بدأت اشعر بضيق في التنفس ، كأني اصعد الى المشنقة.

لكن واصلت الصعود وحالتي تزادد سوءاً ،هاهي الآن أمامي لافتة صغيرة كتب عليها قسم الموارد البشرية ، دخلت الغرفة توجد هناك طاولة في نهاية الغرفة، يجلس خلفها ثلاث اشخاص ، وضع امامها كرسي واحد ، تشعر للحظة بانك في غرفة للتحقيق وانك متهم في جريمة ما.

جلست على الكرسي وبدأت الأسئلة تنهمر عليه كالمطر . وانا أجيب من دون ان أعرف ماهي الوظيفة الى الآن ، لأني لم أفكر فيها أصلا فأنا أفكر متى تنتهي هذه المحكمة …….

فقلت لنفسي كأنه كان ينقصني ان اسقط في هذه الحفرة ….

فأنا لم اتعافى الى الآن من آخر حفرة خرجت منها . فالوظائف التي عملت بها فضلاً عن كونها خلاف تخصصي إلا أنها لاتعد مشكلة في الوقت الحاضر ،فمن منا يعمل بتخصصه اليوم ،لكنها كانت اشبه بالفخاخ التي ينصبها الصيادون ، فيقومون باخفائها لكي تبدوا ارضا مستوية ، ما أن تضع قدمك عليها تسقط في حفرة عميقة ومن ثم يتم اصطيادك لكي يفعلوا بك مايخدم مصالحهم غير ابهين بما لديك من افكار او مشاعر فهم يدفعون لك مقابل أن تقتل كل هذه الاشياء ، يجب ان تكون روبوتا ينفذ الاوامر فقط .هذه اكثر فكرة مفزعة راودتني والان انا اعيد التجربة .

قال احدهم استاذ هل انت معنا ؟

_ اسف ماذا؟

_ هل انت موافق على شروط الوظيفة ؟

_ انا اعتذر لا تناسبني هذه الوظيفة استاذنكم.

خرجت من الغرفة بسرعة و بدات استنشق هواء الحرية بقوة لكي انظف رئتاي من رائحة المكاتب الخانقة ….

من يعيش حرا لا يستطيع تحمل القيود لو كانت ذهباً..

Related Posts

الأردن: أمل نابض وما وهنت الخطى
للاستاذ الاديب العربي محمد السيد

صدر عن دار ابن رشيق للنشر والتوزيع في الأردنالجزء الرابع من رباعيةأمل نابض وما وهنت الخطىللاستاذ الاديب العربيمحمد السيدبإشراف ابنته الدكتورة د. تمام محمد السيدمتوفر الان في دار ابن رشيق…

قريبا بالجامعات الأردنية: شفافية اتخاذ القرار الاداري في منظومة التعليم العالي

أ.سحر عيسىعن دار ابن رشيق للنشر والتوزيع في الأردنشفافية اتخاذ القرار الاداري في منظومة التعليم العاليقريبا في الجامعات الأردنية والعربيةنقلا عن رئيس مجلس ادارة الدار بفيسبوك