
رواية عفاريت الرأس الأسود
الكاتب / عادل السمرى
تقول الأديبة فيرجينا وولف متحدثة عن مخاض الكتابة
(من يدري حالما يأخذ المرء قلمًا ويبدأ الكتابة ما مدى صعوبة عدم جعل الواقع على هذا النحو أو ذاك في حين أنه في الأساس شيء واحد؟ قد تكون هذه هي الهبة التي أمتلكها، وهذا ما يُميزني عن غيري من البشر)
ويقول سيجموند فرويد:
(التعساء المستاؤون هم القوة المحركة للفانتازيا، وكل خيال هو تحقيق لأمنية معينة وتصويب لحقيقة غير مرضية)
لنتفق بداية أننا أمام عمل أدبي مختلف ومميز يحتاج لقراءة متعمقة تستطيع سبر أغوار العمل وامتلاك مفاتيحه وأن القراءة السطحية المباشرة ظالمة للجهد والوقت المبذولين هنا.
هنا نحن أمام عمل من الأعمال القليلة التي تحير القارئ عند قرأتها، عمل معطاء مزج الكوميدي بالفانتزي بالتجريبي بالعبثي دون ان يشعرك بثقل عملية المزج.
في العادة مهما كانت الرواية متعبة أو غامضة أو رمزية،
هناك دائما مدخل يساعدنا في إمساك خيوطها والوصول إلى جوهرها كما يراه القاريء وكما يصله.
أعترف أنني أثناء القراءة في العمل هنا، توهمت أكثر من مرة أنني أمسكت طرف الخيط ثم فاجأني الكاتب وانقلب على ذلك الخيط مادًا غيره لأشعر في لحظة أنني قد علقت في كرةٍ ضخمة من الزخم الفكري الضاغط.
* “عنوان الرواية”
عفاريت الرأس الأسود هو الاسم الأوقع والأشمل
هي رواية تسكنها العفاريت وأبطالها من العفاريت وكتبتها رأس عامرة بالعفاريت.
عنوان يعطي إيحاء بالمباشرة منذ ظهور العفريت الأول في الصفحة الأولى.
ثم يسحبك رويدًا رويدا لعالم كامل قد تلبسته العفاريت من جميع جهاته حتى لا تعد تعرف ماهو الواقع وماهو الخيال .
* “الفكرة”
رواية تتناول هاجس الكتابة وحمى التنظير والنقد وحلم الكتابة المسلط على عقل الجميع في الزمن الحالي لتأخذ من كل هذا إطارًا تناقش من خلاله عدة موضوعات اجتماعية وممارسات برزت للسطح محصلة لتراكمات عديدة.
نص ينتمي لأدب ما بعد الحداثة ينتهج أسلوب الحكي
الما ورائي أو ما يعرف بالميتافيكشن وهو:
“نوع من الكتابة السردية، ذاتي الانعكاس، يعتمد على وجود مسار داخل المسار الأصلي لخلق تخييل فوق التخييل الأصلي”
أي أن النص يمتلك وعيا ذاتيًا فيكسر الحاجز بين الواقع و الخيال متدخلا ومعلقًا على نفسه ومتعاطيا مع سرده وشخصه وهو ما ظهر هنا بشكل قوي عندما قطع الكاتب حبكة النص أكثر من مرة ليشرح نقطة معينة بلسانه أو بلسان إحدى الشخصيات.
أو عندما تدخل ليطلق أحكاما على النص أو طريقة صياغته أو مستعرضًا للتقنيات السردية الأدبية المختلفة.
هنا في العفاريت يوهمك الكاتب أنك أمام مسارين أحدهما هو المسار الرئيس للرواية الأولى والتي تدور حول كاتب شاب يرغب في كتابة عمل ناجح يرفعه لقمة المجد الأدبي
والثاني هو مسار رواية “ثلاث عفاريت ومطرب” ، الرواية الداخلية المكتوبة بيد “صديق الكتابة” بطل الرواية الأصلية.
ثم يفاجئك الكاتب قرب النهاية بوجود مسار روائي ثالث واعِ بأحداث الروايتين الأُخريين فتختلط عليك الخيوط وتتشابك أحداث المسارات الثلاث بأسلوب ماكر ينتمي للمدرسة العبثية ويقوم على فكرة البعثرة على طول العمل.
* “الحبكة”
كأي عمل أدبي يقوم على ثلاثة أضلاع تتفاوت أدوارهم من عمل إلى آخر وهم:
الكاتب أو خالق النص
النص الأدبي
والقاريء أو المتلقي.
اعتمد الكاتب هنا حبكة معقدة مرهقة لنص متعدد المسارات لم يدخر جهدًا في خدمته وترصيعه بزخم معلوماتي هو حصيلة قراءاته واطلاعه الواضح.
بينما راهن الكاتب بشكل كبير على تلقي القاريء وتعاطيه مع النص.
وهنا آخذ على الكاتب إفراطه في استخدام أسلوب البعثرة بشكل يجهد القارئ أثناء محاولته الامساك بزمام الأحداث والفصل بين الواقع والمتخيل
فها هو يستلهم روح التجريد في رواية “الغريب” لألبير كامو في مشهد لن يفهمه ويستوعب سبب وجوده ودلالته سوى من قرأ رواية الغريب ولا أدري حقيقة إن كانت هذه نقطة قوة أم ضعف؟ وهل كان من الأفضل لو أظهر مرامه نوعا ما بما أنه لم يبخل على القاريء بالشرح والتفنيد في أماكن أخرى؟
لكنه إجمالًا وكما قلت أشرك المتلقي بقوة في تفسير الأحداث معتمدًا على درجة وعيه وثقافته.
أود أن أشير إلى أن قارئ الروايتين _العفاريت والغريب_ سيجد استلهامًا آخر أقوى وأعمق أتركه هنا دون توضيح اعتمادًا على بصيرة القارئ.
أجمل ما في هذه الرواية هو ذلك الحس الكوميدي الهاديء على طول السرد ليعرض الواقع في إطار ساخر متحايلًا على الآلام بالسخرية منها.
كما في علاقة العفريت عزيز بالمطرب البائس محمود البلبيسي مثلًا واستعداده لتخليص الدنيا من غبائه
(قلــت لكــم.. بــني آدم غبي.. والمسيح الحــي أحــرق نفــسي عليــه).
* “اللغة”
لغة سلسة بسيطة بلا استعراض غير مطلوب مناسبة للحكاية وكافية جدًا.
اختار الكاتب قصدًا تخصيص الفصحى للمسار الرئيسي للرواية حيث جعل الحوار بين الكاتب ونفسه، وبينه وشخوصه بالعربية الفصحى في إحالة ترمي لتسليط الضوء على شخصية صديق الكتابة المغرقة في افتعال العمق والمصابة بالجمود الأدبي.
بينما عمد إلى استخدام العامية في المسار الثاني (رواية 3 عفاريت ومطرب) متقصدًا تمرير رسالته النهائية والتي ترد على لسان الشخصيات المحاكمة في الجزء الأخير مشيرًا لحتمية التجديد والخروج خارج القوالب المحفوظة.
عِبت على الكاتب زجه للكثير من مصطلحات الكتابة التي لن يفهمها سوى الكتاب أو القراء المطلعين على فنيات الكتابة وأقسام السرد وأنواع الرواة.
استعمل الكاتب لفظتين أوقفتاني وشعرت بغرابتهما:
الأولى هي (المتأسلبين) ويقصد بها مسلوبي الإرادة ولا أعرف حقيقة مدى صحتها لغويا
والثانية هي عندما عبر عن إعجاب أحد العفاريت بتصرفات البطل فوصف مشاعره بأنه هام به حبًا مما أوحى بمعنى غير المقصود تماما.
بينما رافقت البطل لازمة لفظية أفرط في استخدامها حتى شعرت بثقلها وهي كلمة” يا سادة” التي يخاطب بها صديق الكتابة قراءه.
* “السرد والحوار”
لعب الحوار دورًا رئيسًا في أحداث العمل ككل بحس كوميدي ذكي، فيما تنقل الكاتب بين أساليب السرد المختلفة بين سرد متبادل وسرد متقطع مستخدما كلًا من الراوي العليم والراوي المتكلم،
قافزًا بين المسارات المختلفة بسلاسة وتمكن يحسبا له ماعدا موقعين أو ثلاثة اهتزت فيهما أدوات الكاتب كما حدث في نهاية الفصل الثالث وبداية الرابع، وكما ظهر بشدة قرب النهاية.
اتسم السرد بالتقريرية في تلك الأجزاء التي تعرضت لفنيات الكتابة ومتاعب الكتاب بشكل مباشر.
لابد من الإشارة إلى تلك النظرة الفلسفية الرزينة التي ظهرت بسلاسة خلال عدة جمل لافتة ومنها على سبيل المثال
(الــكل يفــارق دون أن يتخيــل أنــه ســوف يفارق
الإنسان في الدنيــا يعيــش في حلــم لا يصحــو منــه إلا بالمــوت.)
* “النهاية”
جاءت النهاية مرتبكة محيرة وإن كانت منطقية جدًا أضافت الكثير للفكرة العامة للعمل، ولكني تمنيت لو أعيدت صياغتها بشكل اوضح وسريالية أقل تعطي خفة أكبر للقاريء العادي.
إجمالا:
عفاريت الرأس الأسود عمل عميق يستحق قراءة عميقة، ويحسب للكاتب فيه أنه حاول جاهدًا كسر قوالب الجمود الفكري محاولا العمل على إلغاء فكرة احتكارية المثقفين وفوقيتهم ضد شعبوية ومشاعية العامة
قاصدًا تحويل الأفكار المتخصصة إلى أفكار يتعاطى معها القاريء العادي.
للأسف أثناء محاولة الكاتب الحثيثة للمزج بين الطرفين سقط في فخ الإطناب والتقريرية في عدة مواقف.
صحيح أن الأدب العظيم لا يخاطب القاريء من علِ، بل يدخل قارئه في التجربة حتى يصير جزءا من فضاءات السرد
ولكن ماحاجتي كقاريء عادي إلى شرح مصطلحات كتلك الواردة تفصيلا في الجزء الخاص بنص مقالة الناقدة السكندرية؟
ماحاجتي لنصف صفحة كاملة تتكلم عن المشهدية والضوء والحركة والملابس وخلافه.
أيضا ماحاجتي لاقتباس طويل لتوفيق الحكيم في نهاية الوصلة الخامسة
ملاحظة أخرى لفتت انتباهي ولم أفهمها حين قسم الكاتب فصوله إلى وصلات وإلى أبواب مرقمة،
في البداية ظننت الوصلات تخص الرواية الداخلية والأبواب تخص العمل ذاته
لكنني وبمرور الصفحات لم أستطع التعاطي مع تلك التقسيمة والتي أثق في ان الكاتب كان له مقصد معين من وراءها لم يدركه فكري البسيط.
وكما أشرت لتلك المآخذ عليّ على الجانب الآخر أن ارفع القبعة للعرض السلس للكثير من المشاكل والمصاعب التي تواجه كل منشغل بالكتابة وتقض فكره،
كصراع الشخصية المكتوبة مع كاتبها وتحكمها في خط سير الأحداث، وانشغال الكتاب بحمى البيست سيلر وزيفها، وتوحد الكاتب مع عمله، والكثير من القضايا المهمة الأخرى.
في النهاية:
يرى الناقد شكري الماضي أنّ الرواية لا تكون علامة على الطريق الروائي ما لم يتوافر فيها أمرين:
1. الإضافة الجديدة على صعيد البناء والشكل.
2. التعبير عن أزمة من أزمات وجودنا المعاصر
وأنا أجزم هنا أن رواية عفاريت الرأس الأسود جمعت بين ضفتيها هذين العنصرين وبكفاءة
ريهام الناجى
وفي كلتا الحالتين، توفر القصائد والكازينوهات فرصًا للتعبير الفني والمشاركة الإبداعية، سواء من خلال الكلمة المكتوبة في الشعر أو من خلال تجارب التصميم والترفيه في الكازينو. لهذا السبب نريد أن نقدم راعينا – منصة المقامرة Slotogate. إنه يقدم مجموعة واسعة من المكافآت من مجموعة كبيرة من الكازينوهات، وألعاب سلوتس اللعب الفوري عبر الإنترنت، ومجموعة كاملة من ألعاب الطاولة الكلاسيكية والحديثة.