لقاء مع الجاشنكير

زهراء اسماعيل

كاتبة مصرية

يزخر تاريخ المحروسة بالمنعطفات السياسية والأحداث الفارقة…ولعل من أهمها في تاريخ مصر الحديث هو نهاية دولة المماليك وبداية حكم العلوية لمصر وبداية العصر الحديث، الحقبة التي إمتدت أثارها حتى وقتنا الحالي
وبين يدينا رواية تاريخية مهمة…ثرية رغم صغر حجمها النسبي…رواية الجاشنكير للكاتب خالد الجزار
يخطو بنا الكاتب إلى بداية حكم محمد علي…ومقاومة أخر أمير من أمراء المماليك (محمد بك الألفي) لفرمان توليه إمارة مصر
تبدأ الرواية بمشهد من داخل أحد البيوت المصرية في القاهرة وإستعداد الأسرة للترحال إلى مولد السيد البدوي…ومن هنا بدأ الكاتب وصفه للحياة الإجتماعية في بر مصر…وأسماء البلاد في هذا الوقت…ف طنطا على سبيل المثال كان يطلق عليها(طاندتا)..كما يصف ميناء بولاق وصفاً تصويرياً…نرى تصرفات الجنود وإستفزازهم للأهالي والتجار في محاولات مستمرة للحصول على(البراطيل) (الرشاوي)من أجل مرور هادئ بالبضاعة أو إفسادها المتعمد
تبدأ رحلة الأسرة إلى المولد المنتظر…يسهب الكاتب في وصف وسائل النقل المتاحة..الصراعات على العبور…الفقر المدقع والتكاتف الذي يعيش به المصريين في ظل حكام متتاليون تفننو في إستزاف ثرواتهم والإستيلاء على أقواتهم
وفجأة يقع أحمد(الذى يجيد فنون الطهى الأفرنجي جراء خدمته لأحد علماء الحملة الفرنسية) ضحية لمكيدة دبرها له جاره في مقابل نقلة إجتماعية تنقله إلى مصاف علية القوم…ويقع أحمد بين المطرقة والسندان…فإما قتل الألفي بك بتكليف من محمد علي شخصياً…وإلا قتل أسرته التي إخطتفها جنود الزبانية ووضعوهم في أحد القصور التابعة (قصر قوش بك) كأمانة لحين الإنتهاء من مهمته
من خلال أسرة أحمد نتعرف على حياة الحرملك…مكائده التي لاتنتهي…طبيعة الحياة وسيطرة السيدات عليها كل بما تجيده من فنون اللهو والغرام أو الثروة
ومجتمع الخصيان…الذي وصفه الكاتب ببراعة من خلال الخصي الحبشي نحلة…الذي إختطفه تجار الرقيق وتم خصيه وبيعه ليكون أحد الأغوات المكلفين بحراسة الحرملك، طفل آخر يقابله أحمد في أثناء الإستعداد لمهمته
نحلة…الذي وئدت غريزته في مهمدها ويتطلع فقط لأمنية تبدو بسيطة للكل…مستحيلة له…يصف لنا الكاتب صراعه النفسي وخوفه المستمر من مجرد لمس أنثى وإلا كان مصيره القتل بأبشع الطرق التي تفنن المماليك في إبتكارها..فكتب عليه الحرمان الأبدي من أبسط حقوقه الإنسانية
بعيون أحمد نرى الفقر المدقع للمصريين في كل مكان…ومن خلال خدمته ل محمد الألفي نتعرف على الصراعات المستمرة في الجيوش…وإنقسام رجال الأزهر بين مؤيد ومعارض لحكم المماليك…محاولات الألفي بك لمهادنة الإنجليز في مقابل دعمه في حربه ضد محمد علي…ومحاولات محمد علي المستمرة لإستمالة شيوخ الأزهر لضمان هدوء الشعب
كما يصف الكاتب رجال الأزهر وقتها…حياتهم الإجتماعية والإقتصادية القائمة على إستثنائهم من الضرائب أيا كانت وتأثير ذلك علاى موقفهم من محمد علي
ودهاء محمد علي في السيطرة على مناوئيه عن طريق سجنهم مع أعتى المجرمين وتعريضهم لأقسى درجات الإذلال النفسي والرعب…ثم التدخل في اللحظة الأخيرة برسول يعرض المصالحة…وثمن الحرية غالٍ فما بالك لو كنت مسجوناً مع مجرم لايرحم وهدفه الأوحد تدميرك النفسي…ف تكون المصالحة وتتوفر السيولة للوالي لتمويل الحرب المستمرة
تميزت الرواية بوصف مميز للمعارك التي قام بها الألفي بك في أواخر أيامه سواء وصف ساحة الحرب أو عتاد الجنود وأعدادهم فى كل فريق…والمكائد التي تعرض لها من الباب العالي ومشايخ الأزهر، كما تميزت لغة الكاتب بالقوة وإستخدام ألفظ وأسماء للشخصيات تنتمي لهذه الفترة زاد الرواية ثراء
في أحداث متسارعة وفصول قصيرة مركزة تنقل الكاتب بين محمد بك الألفي…ومحمد علي…بين المعارك المستمرة ورجال الأزهر والشعب…فكانت صورة متكاملة
مفاجئات الرواية لاتنتهي…حتى النهاية كانت صادمة إلى حد كبير بالنسبة للبطل الرئيسي من حيث المهمة والمصير الذى آلت إليه دنياه
كما أن للرواية إسقاط سياسي مميز في شخصية أحمد المرجاوي…ف المصري يظل مصرياً حتى النخاع…يتولى أمره الغريب تلو الغريب ويرضى بالظلم من الجميع…تستنفز موارده على مدار التاريخ…ولا يفكر أبعد من توفر قوت يومه…فما أشبه اليوم بالبارحة
في النهاية نحن أمام رواية تاريخية إجتماعية مهمة…عن فترة في غاية الأهمية والثراء من تاريخ مصر

Related Posts

١٤ سبتمبر : أمسية إطلاق متاهة زوربا و ما تاخدش في بالك أو خد من غايا للنشر

📚 ندعوكم لحضور أمسية أدبية مميزة!في لقاء خاص يجمع بين الشعر والسرد، يسعدنا في دار غايا للنشر والتوزيع أن نشارككم إطلاق ومناقشة: 🔹 كتاب “متاهة زوربا”🔹 وديوان “ماتاخدش في بالك…

أكاذيب لوك لاهورا لسكوت لينش من عصير الكتب

نشرت عصير الكتب على صفحتها : عصير الكتب تقدم لكم 🎉 ترشحت الرواية لجائزة الفانتازيا العالمية وجائزة لوكاس.حياة اليتيم غامضة -وغالبًا قصيرة- في جزيرة كامور المظلمة، حياة شديدة القسوة، قصيرة…