تهادوا تحابوا – يوميات طبيب في الأرياف ٧ – د. محمد الأبحر

  • ٧ –
    تهادوا تحابوا

(تهادوا تحابوا ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
منذ اكثر من ثلاثين عاما وإلى الآن إعتدت أن أهدى الأطفال فى عيادتى حلوى بسيطة على شكل مصاصة
وبرغم تفاهة الهدية إلا أن الأطفال أحبوها حتى أنهم يطلبون من أهليهم الذهاب للدكتور بتاع المصاصة
أما من كانت السبب فى هذه العادة ..
فهى مرمر
مرمر كانت طفلة جميلة فى الابتدائية
عمرها يقارب الإثنى عشر عاما
بيضاء البشرة .. خدودها تعلوها الحمرة مع كل لحظة خجل أو إنفعال ..
عيونها زرقاء بلون البحر والسماء
شعرها كستنائى مائل للصفرة وضفيرتيها تنسدلان على كتفيها
جسدها ضئيل .. بدأ الإستروجين أو خراط الصبايا – كما يقولون – يعبث به
فيبرز أجزاءا .. وينحت أجزاء
أتت مريضة إلى فى العيادة مع أمها (أم مرعى) .. جيرانى فى العيادة
كانت أمها أم مرعى تشبهها و تحمل آثار جمال بائد … ضاع تحت أطنان من الدهن
بالصدفة كان معى قطعة من الشوكولاتة فاهديتها للطفلة بعد الكشف عليها
ومصداقا لهذا الحديث فقد احست الطفلة بالأمان وبالمحبة لهذا الطبيب الذى لم تنل منه إيذاءا أو حقن وإنما نالت منه الحلوى
وتصديقا له أحس بحب أكثر مرضاى من الأطفال لهديتى البسيطة لهم من المصاصة
حتى أن إحدى الأمهات أقسمت اننى أقرأ قرآنا أو أدعية على هذه المصاصة التى يحبها أطفالها ويرفضون حلوى يشترونها لهم رغم أنها أفضل وأغلى كثيرا
بعد أيام أتت أم مرعى أو أم مرمر مع إبنتها للإستشارة تحمد الله وتشكرنى على شفاء إبنتها …
وتريد الكشف هى الأخرى فقد وجدتنى طبيبا شاطرا على حد قولها
لم أنتبه يومها إلى أنها قد زينت إبنتها ووضعت لها بعض أحمر الشفاه
كل ما أحسست به أن الطفلة بها شئ مختلف
وجدت أم مرعى سليمة لا تعانى إلا من بعض البرد … و لم أصف لها إلا بعض أقراص فيتامين سي الفوارة .. التى توضع فى كوب ماء لتذوب ثم تشرب
بعد يوم واحد من الكشف حضرت أم مرعى العيادة وهى تكظم غيظها وتعاتبنى بابتسامة مغتصبة

  • كده يا دكتور محمد ؟عاوز تموتنى زى ما كنت هاتموت عم نبوى ؟
  • اموتك؟؟ هو أنا كتبت لك لبوس يا أم مرعى؟؟
    صحت بها نافيا التهمة عن نفسى فقد آليت على نفسى ألا أكتب لبوسا ما حييت
  • أنا كل إللى كتبته لك يا أم مرعى ..اقراص فيتامين فيتاسيد الفوارة عشان البرد
  • ما هى الأقراص دى إللى كانت هتموتنى
    هكذا أجابت أم مرعى .. ثم إستطردت
  • البهايم عاملين القرص قد الطعمياية
    ليه..؟ عاملينه لديناصورات؟؟
    بلعت القرص من هنا .. ووقف فى ظورى من هنا …
    آخد عليه ميه… يتش يتش ويفور ويكتم نفسى
    لما قطعت النفس خالص واتشاهدوا عليا لولا ستر ربنا
    بس والله برضه مش زعلانه منك…أنت برضه جوز بنتى .. هى هى هى
  • واحنا نطول يا أم مرعى …قلتها مجاملا ومحاولا الإفلات من جريمة القرص إللى بيتش … وإنهاء إستشارة لا تريد صاحبتها إنهاءها
    فى اليوم التالى أتت مرمر إلى العيادة تتعثر من الحياء ووجهها مطرق إلى الأرض وحمرة الخجل كشفق الشمس على خدودها
    نموذج رائع لتداخل براءة الطفولة مع مشاعر الشباب والمراهقة
    فترة عشناها من حياتنا .. شديدة العذوبة مليئة بالشجن والحيرة والمشاعر المتضاربة
    كانت مرمر تحمل طبقا مغطى…
  • ماما بعتالك مرغولة !!
    وضعت الطبق على المكتب واستدارت مهرولة للخارج
  • يا دى المصيبة….مرغولة !!
    الظاهر الموضوع بجد…..قلت لنفسى وأنا استكشف ما هى هذه المرغولة
    عرفت من هذه الهدية أن المرغولة هى ملوخية مجففة مع بصل وطماطم مقطعين وممتزجين سويا بالماء
    تلى المرغولة دقية محشى كرنب وورق لفت ..
    أيام أخرى ثم يأتى طبق البصارة
    بعد بضعة أسابيع تتوقف الهدايا التى كنت ألح بعدم قبولها وعندما يسقط فى يدى أوزعها على جيران العيادة
    ثم حضرت الحاجة الكبيرة
    أم أم مرعى أو لنقل جدة مرمر …
    الحاجة صابرية كبيرة الحتة
    وجه بنفس بياض إبنتها وحفيدتها رسم عليه الزمان خطوطا تحكى قصة شقاء أحقابا من الزمان …
    جسد نحيل تبدو عليه القوة رغم إنحناؤه
    بيدها عصاة تتكئ عليها وتهش بها على متحدثيها … فهى تشير بها يمنة ويسرة فى وجه متحدثيها
    ولها فيها مآرب أخرى .. فقد رأيتها يوما تؤدب بها زوج ابنتها (أبو مرمر)
    كانت فيما يبدو قد أتت إلى فى العيادة لتوقف نزيف الطعام من مطبخ إبنتها
    جلست على المقعد المواجه للمكتب تمسك عصاتها بكلتا يديها وتسند ذقنها عليهما .. تنقر بها على الأرض بضع نقرات ثم تعيدها سيرتها الأولى تحت ذقنها
  • خير يا حاجة صابرية بتشتكى من إيه ؟
    كنت قد تكهنت بسبب قدومها … وقلت أستعبط لعلى أفلت من جدال لا تحمد عقباه
  • اسمع يا دكتور …
    بقى الله الله عالجد … والجد ايه؟؟
    جاوبت متماشيا معها …
  • الله الله عليه
  • دلوقتى إنت مستنى إييييه ؟؟؟
  • مستنى إيه مش فاهم ؟
  • دلوقتى البت رايداك وإنت رايدها
  • بت مين ؟ ورايد مين ؟
    صحت بانفعال وذهول
    علا صوتها هى الأخرى :
  • مش انت اللى إديتها الشوكلاتاه واللا حد تانى اللى إداهالها ؟؟ هه ؟؟
  • شوكالاتة إيه ياست إنتى ؟ هو أنا إديتها خمرة ؟؟
    أدركت الحاجة أنها دخلت دخلة خطأ وأنه لا بد من تغيير تكتيكها ..
    إنخفض صوتها .. وبعد القوة بدت المسكنة عليها وأكملت تستعطفنى ..
  • يعنى يرضيك البت تبور … البلد كلها متقدمالها ..
    وأمها راسها وألف سيف ماتجوزها إلا للدكتور
    ومعدلهاش شغلة إلا الطبيخ عشان الدكتور……
    هيه قولك ايه بقااااااااا ؟؟
    أنهت كلمتها اللينة بابتسامة صفراء أظهرت إحساسها بقرب نجاح خطتها
    بنفس الصوت اللين والإبتسامة التى حاولت تلوينها بكل الألوان الممكنة ..
    دافعت عن نفسي بأننى ليس لى دخل فى هذا الموضوع ولست طامعا فى البنت ولا فى هذا الطبيخ
    وأن الشوكالاتة هدية لطفلة وليست إستدراجا ولا تحرشا بها
    وأن البنت لازالت طفلة وجميلة وستتزوج من هو أفضل من الدكتور
    قامت غاضبة بعدما يئست من نجاح خطتها .. تضرب الأرض بقوة بعصاتها
    خرجت من العيادة وهى تدمدم….
  • أنا عارفة عاوزين يجوزوه البت على ايه ؟ دا مسعد بعينه
    لم أكن أعرف مسعد هذا اللى بعينى
    ثم استدارت تواجهنى وتهاجمنى ….
  • مش كفاية كنت هاتموت عم نبوى

يتبع

Related Posts

١٤ سبتمبر : أمسية إطلاق متاهة زوربا و ما تاخدش في بالك أو خد من غايا للنشر

📚 ندعوكم لحضور أمسية أدبية مميزة!في لقاء خاص يجمع بين الشعر والسرد، يسعدنا في دار غايا للنشر والتوزيع أن نشارككم إطلاق ومناقشة: 🔹 كتاب “متاهة زوربا”🔹 وديوان “ماتاخدش في بالك…

أكاذيب لوك لاهورا لسكوت لينش من عصير الكتب

نشرت عصير الكتب على صفحتها : عصير الكتب تقدم لكم 🎉 ترشحت الرواية لجائزة الفانتازيا العالمية وجائزة لوكاس.حياة اليتيم غامضة -وغالبًا قصيرة- في جزيرة كامور المظلمة، حياة شديدة القسوة، قصيرة…