العين الأولى – يوميات طبيب في الأرياف ١- د. محمد الأبحر

يوميات طبيب فى الأرياف

               (١)العين الأولى

أخذ جسدى يتأرجح يمنة ويسرة مع اهتزاز عربات القطار الرتيبة …
صور الأشجار والبيوت تتوالى بسرعة أمام عينى من نافذة القطار …
وفكر شارد وجل من مجهول آت ..
كنت أركب القطار من مدينتى دمياط إلى مدينة كفر سعد إحدى مراكز المحافظة ومنها إلى إحدى قرى المركز …
حيث تقع عيادتى المنتظرة
رحلة طويلة مع التعليم تنتهى بسبع سنوات بكلية الطب ثم سنة الإمتياز …
والآن حان وقت الحصاد …
العين الأولى من الأعين الخمس التى داعبوا بها خيال كل طبيب ..
عيادة ..عروسة .. عربية .. عمارة .. ثم عزبة
كنت قد أنهيت سنة الامتياز والتحقت بالجيش كضابط احتياط
واستطاعت الواسطة أن تلحقنى بمستشفى بورسعيد العسكرى ..
كان عدد العسكريين محدود فى بورسعيد ..
وبحساب عدد المرضى منهم ..
ثم بحساب من كان منهم مريض أنف وأذن وحنجرة (وكنت أتولى هذا القسم قبل تخصصى فيه)
من كل هذا نعرف كم عملى .. أو عدم عملى كطبيب فى هذه المستشفى
والحقيقة أن عملى أنا وجميع الأطباء المجندين والعاملين بالمستشفى كان يقتصر على استقبال العديد من الرتب الكبيرة التى كانت تأتى كثيرا للتفتيش على الإنضباط فى المستشفى..
كنا نطمئنهم على الإنضباط …
ثم نذهب معهم للتسوق ونحن منضبطون
ثم نخرجهم من الجمرك .. ونحن فى غاية الإنضباط
كنت اذهب المستشفى ثلاثة ايام فقط فى الاسبوع أو أقل ففكرت أن أفتح عيادة فى الأرياف فى هذه الايام
كانت إحدى خالاتى تسكن بإحدى قرى مركز كفر سعد بدمياط مع زوجها .. الذى كان ضابطا بالطيران وأحيل للتقاعد فانتقل للعيش بقريته
ألح على الرجل أن أفتح عيادة بقريته التى لم يكن بها أى طبيب من أى تخصص ..
وبالفعل أجر لى الرجل العيادة
كانت عيادة صغيرة بالدور الأرضى تتكون من حجرة كبيرة وصالة وهو ما كنت أحتاجه فقط
كانت تطل مباشرة على النيل لا يفصلها عنه إلا بعض أشجار السنديان العملاقة والتى كانت تنشر ظلالها أمام العيادة
أحببت العيادة والمكان والهدوء الذى يغلفه
جهزت العيادة وفرشتها …
كان لا بد للعيادة من بعض الخدمات اللوجستية بصيغة هذه الأيام ..
لم يكن فى القرية صيدلية .. فكان لا بد من فتح صيدلية وإلا فلا معنى للعيادة بدونها
فتحت صيدلية فى غرفة الكشف عبارة عن دولاب زجاجى كبير وضعت فيه كل ما اعرفه من الأدوية الضرورية وادوية الطوارئ … على أن أبيع الدواء بثمنه وأستكمل النواقص أولا بأول
أصبحت العيادة جاهزة للافتتاح …
اعترض زوج خالتى والذى أصبح مدير أعمالى على الإفتتاح بدون عمل الدعاية اللازمة ..
ضحك طويلا على اقتراحى بطبع منشورات دعائية …

  • يا دكتور انت فى أرياف .. ماحدش فاضى يقرا … المهم الإذاعة
  • إذاعة إيه ؟ … هاعمل إعلان فى الراديو ؟
    علت قهقهته أكثر …
  • الإذاعة الداخلية يا دكتور … عبده الشوبكشى
    وما كنت أعلم ماذا ينتظرنى من عبده الشوبكشى … أو بالأحرى من أحباله الصوتية

يتبع

Related Posts

الموت دليفري- للكاتب د. محمود لطفي

لكـل كتاب مذاقه الخاص، وتتبلور إبداعات الكاتب في ثنايا الفصول، في تغطية كتاب، نقوم بطرح مقتبسات لكتاب: المـوت ديلفري، وهو مجموعة قصصية للكاتب الدكتور / محمـود لطـفي وهي العمل السادس…

حلم الحياة لمحمد ياسر الصدفي جديد معرض ٢٠٢٥

حلمت إني في سنينقابلت الصديق وقريتهوعرفت الكتاب وصاحبتهودخلت فيلمي مثلتهمن غير ما الاقي سيناريو حلمت إني في يومهوصل لحلمي في نومفاصحى الاقي الكونثابت كما هوأجدف بايدي وأعومعلى بحر شطه قريبوالحلم…