أحمد هارون يكتب : باب الحضارة – قصة قصيرة

عندمَا وقفتُ أمام ذلك الباب العجيب كنت مباغتًا ، لم أصدق، لم يقل أحد أن رحلةً لساعتين في أهرامات الجيزة قد تطول لتستغرق سنوات .

سنوات من الدراسة والبحث عما وجدت ويراه العلماء ضربا من الخيال والخبال!

برديات تقُول أن القدماء كانوا ينتقلون بين الكواكب في سهولة ويسر، بأبواب من العلم والطاقة، أحدها في الجيزة، أحدها في بابل، أحدها اندثر مع المايا وغيرها..

أنا كدارس للآثار وعلى علمٍ بها كنت قد بدأت أشعر أنني قريب وقد حددت أكثر المسارات والأماكن التي قد يتواجد فيها الباب وهو بالتأكيد بعيد عن صخب الباعة والسائحين في رحاب أعظم ما بنى البشر! لكنني بوغتُّ حيث بين حجرين عملاقين لمحت ذلك الباب..

أقرأ الكتابة الواضحة على الباب باللغة الهيروغليفية : باب الكواكب البعيدة..

وبدت لي من الباب صخرة بارزة فضغطتها دون تردد.

فجأة لم يعد بإمكاني التقهقر للخلف، فقد أضاء الباب بضوء ساطع شعرت به يجذبني إليه في قوة شديدة وشعرت بالنور الشديد يغزو عينيّ، بل يتخلل جسدي كله..

كيف يتحول الجسد إلى ضوء، إلى طاقة خفيفة سريعة، كيف يكون غير موجود وقد صار موجودًا في كل شيء؟ كيف تذوب الأعضاء فتتحرر الروح..

فجأة شعرت بصدري ووجهي وأنا ملقىً على الأرض وأشم رائحة غريبة لم تمر علي من قبل ..

عندما نهضت وفتحت عينيّ أخيرًا بعد انغلاقهما لما لاقياه من نور ساطع ثم فركتهما عدة مرات لأتأكد من حقيقة ما أراه..

لم يكن هذا كوكب الأرض!

تُري ام ان هذا النور الذي غشيني والضوء الذي امتصني قد نقلني إلي العالم الٱخر وهذا موقعي من هذا العالم؟

نظرت إلي اعضائي بتفحص.. حركّّّتها.. نعم تتحرك.. الأموات اجسادهم متيبسة لا تتحرك!

هل تم حبسي في فقاعة زمنية لما قبل الميلاد؟

كل شيء حولي موحش.. بل مخيف.. صور ضبابية ام اصاب عيناي عتمة مؤقته؟

نظارتي.. أين نظارتي؟

اتحسس وجهي بحذر لإجد نظارتي عليه.. خلعتها لاعيد مسحهها بذيل سترتي واعيد وضعهها علي وجهي لم يتغير شيء! مازالت الرؤيا كما هي.. غبار كثيف يلف المكان.. هضاب وتلال وجبال.. كهوف حولي في كل مكان.. إني مُتعب .. الخدر يتملكني.. لا سيطرة علي تصارع افكاري.

يبدو اني ظللت كثيرا من الوقت علي وضعي هذا.. ويبدو اني قد فقدت الوعي قبل ان افيق وقد تبدل كل شيء.. اصبحت ابصر بوضوح.. ضوء ابيض يلف المكان.. ليس ضوء شمس! إنه يشبه ضوء القمر ولكنه ضوء مُبهر.. ضوء نهار ولكنه بلا شمس!

الهضاب والتلال والجبال لم يكونوا إلا بنايات ضخمة.. اقلها حجما قد يكافيء حجم هرم خوفو..

هرم خوفو! هرم خوفو! هرم هههههههه خوفو

الباب!.. باب الكواكب!

ايُعقل أني الٱن في كوكب ٱخر غير الأرض؟

هل أثمر بحثي بعد كل هذه السنين هذه الرحلة الأعجوبة؟

خمسة عشر عاما مابين برديات وطلاسم ورموز ورحلات ومراجع.. مابين تكهنات ونظريات وحسابات.

خمسة عشر عاما بلا نوم بالكاد بضع ساعات منذ ان ودعت كلية الٱثار ولم يزد عمري وقتها عن خمسة وعشرون عام لأستقبل هذه المغامرة وأنا اودع عامي الواحد والاربعون وقد زاد سُمك نظارتي إلي الضعف تقريبا!

تسلل الشيب إلي شعري.. طالت لحيتي.. ناداني بعضهم بالبروفسير وتهكم بعضهم بالمجذوب! قالوا أصابته لعنة الفراعنه!.

اين كاميرتي؟ كانت مُعلقة في عنقي!

ياالله يبدوا إنها فُقدت! ما باليد حيلة ساكتفي بصور الموبايل.. الموبايل؟

وحسرتاه.. ضاع هو الٱخر؟

كيف اوثق هذا الحدث الضخم إذا؟

هنا يجب ان يقف التاريخ لحظة ليشاهد العالم ان الفراعنة قد بلغوا حدود من العلم لم يبلغه احد من قبلهم وأحسب لن يبلغه احد بعدهم.

علم يبوح باسراره قطرة قطره .ليغرق العالم كله في قطرة منه.. فماذا لو كان بحر متلاطم امواجه من كل العلوم.. طب وفلك وحساب وهندسة وتحنيط وتشييد وصوت وضوء وحروب وسلام..

علم صاغ للعالم كيف تُقام الدول وكيف تُقاد.. كيف تكون الدواوين وكيف تكون الحدود وكيف تكون الإستراتيجيات في النكبات والمجاعات!

كيف تكون العبادة وكيف يكون التوحيد والتسليم

ووو كيف تكون العجلة ومراكب الشمس والبواباات.. البواباات!

باب الكواكب البعيدة!

تُري هل يوجد هنا باب للعودة إلي الأرض؟

حتما من قدر ان يصل بعلمه إلي هذا المكان فهو قادر علي ان يغادره بنفس الطريقة.

نفس الطريقة!

نفس الطريقة!

اين باب العودة إذاً؟

ولماذا لا اسبح في هذا العالم الغامض لأختزن في عقلي بعض الصور وبعض الإكتشافات!

لماذا لا اذهب إلي هذه البنايات اجتهد ان اعرف سرها؟

عاودني التعب والإجهاد وأحساس بالجوع..

كم مكثت هنا؟

فلأتحدي تعبي وإجهادي واسعي لأكبر هذه البنايات عساني اجد فيه حياة!

افقت وأنا مازلت بعيد جدا عن هذا المبني خيل لي كبر حجمة انه قريب وكلما اقتربت منه زاد حجمة اكثر!

العجيب إنني كلما اقتربت اكتشف المسافة بين كل مبني ومبني.. ابدا لم يكونوا متقاربين ليظهروا من البعد كما ولو كانوا كتلة واحدة أو كُتل متلاصقة!

بعد غفوات كثيرة وغياب عن الوعي كثير وصلت إلي هذه البناية الضخمة! ضخمة بحق.. ضخامة مُفرطة ومدهشة لحد الذهول!

كانت جدرانها جميعها عبارة عن اهرامات متراصة بطريقة بديعة .. مبني يتملك من يقترب منه الرهبة ويجرده من كل علوم الحياة.. لم يبقي لي سوي الذهول وفم فارغ من شدة الإندهاش !

كيف السبيل إلي دخول هذا المبني؟

هذا اللغز المُحير والأحجية العجيبة؟

اين علومي وابحاثي؟

أين اشيائي 😁

احسب أني قطعت اوقات طويلة مابين إغماءات ومثابرة حتي قطعت المسافة مابين نقطتي هذا الضلع من هذا المبني ليُبهرني الضلع القائم عليه وما أختلف عن سابقه في دقة وروعة الإنشاء سوي بتمثالين لأبي الهول في منتصفه.. بعد جهاد ومشقة وجدت نفسي اقف مابين التمثالين.. ابحث عن باب او حل لهذه الأحجية!

لم اعرف كم من الوقت مكثت اتنقل في هذا الحيز مابين التمثالين حتي اعياني التعب فجلست دون ان ادري علي الكف الممتد لابي الهول كي استريح لأسمع ازيز من خلفي والجدار ينشق عن مدخل مُهيب؟

إذا فالمفتاح في هذا الكف الممتد!

الأحجية تتكشف والإبهار يزيد والرهبة تبلغ مداها.

ماهذه المهارة التي صنعت هذا الإبداع وما هذا الثراء الذي زينه وماهذا العلم الذي صنع كل تلك الدقة؟

درجات من الجرانيت بعد صالة ضخمة مزينة بمسلتين وأرضية من الجرانيت المزخرف برسوم فرعونية مُبهرة وجداريات من الفسفيساء المصنوعة بدقة وإبداع بها رسومات لعربية حربية تعبر من باب يحيطها النور من كل مكان إلي عالم مظلم يكسر ظلامه هذه الأشاعة المنبعثة من محيط العربية الحربية.. كُتب علي هذه الجدارية بالهروغلوفية طيبا باب الحضارة!

صعدت علي الدرج الجرانيت بحذر شديد اسمع صوت انفاسي وأشعر بدقات قلبي تسمعها الجدران حولي.. صالة مرصعة بتماثيل من ذهب بعضها لكباش واخري لجعران وخنافس وهررة!

يتوسط هذه التماثيل هرم مصنوع بدقة بالغة لا ادري إن كان من الذهب الخالص ام إنه من معدن نفيس لا اعرف عنه شيء ولا احد يعرف عنه شيء!

هرم ليس بالكبير ولا الصغير قد يبلغ إرتفاعه اربعة أذرع او يزيد قليلا وطول ضلع قاعدته قد تبلغ الثمانية اذرع او اقل قليلا.. هرم لونه بلون الذهب غير انه مضيء بذاته!

شيء يأخذ اللُب ويُفرغ الفاه ويلطم العقل بلا هوادة ليتركه جثة هامدة علي أبواب اللاعلم!

جذبني هذا الهرم دون شعور مني وبلا إرادة..

جذبني فصرت المجذوب بلا تهكم ولا سخرية ممن قالوا عني ذلك من قبل..

شعرت بأني اتخلله.. يدي.. شقي الأيمن.. رأسي.. شقي الأيسر.. ٱخر ما أنجذب مني داخله كف يدي الايسر!

لا ادري ماذا حدث بعد ذلك فقط وجدت نفسي وكاني في عالمي السابق.. نعم وجدت نفسي علي الأرض ولكن في عالم ٱخر وزمن ٱخر كل من يحيط بي فراعنة!

تمت

Related Posts

١٤ سبتمبر : أمسية إطلاق متاهة زوربا و ما تاخدش في بالك أو خد من غايا للنشر

📚 ندعوكم لحضور أمسية أدبية مميزة!في لقاء خاص يجمع بين الشعر والسرد، يسعدنا في دار غايا للنشر والتوزيع أن نشارككم إطلاق ومناقشة: 🔹 كتاب “متاهة زوربا”🔹 وديوان “ماتاخدش في بالك…

أكاذيب لوك لاهورا لسكوت لينش من عصير الكتب

نشرت عصير الكتب على صفحتها : عصير الكتب تقدم لكم 🎉 ترشحت الرواية لجائزة الفانتازيا العالمية وجائزة لوكاس.حياة اليتيم غامضة -وغالبًا قصيرة- في جزيرة كامور المظلمة، حياة شديدة القسوة، قصيرة…