
حتى عهد قريب لا يتجاوز عشر سنوات كانت هناك بعض الصحف المرموقة , المعروفة سواءًا للحكومة أو المعارضة وقد كان لكل صحيفة منها قراءها ومهتموها وهي على الأقل تحترم عقل قارئها حتى الصحف القومية كان يرأسها أساتذة يعرفون كيف تدور الأمور وأعمدة محفوظة لكتاب محبوبون .
من جهة أخرى شاعت صحف عرفت بأنها صفراء لما تثيره من عناوين وتحمله من قصص وعادةً ما يكُون الهدف منهَا ليس مادةً حقيقية بقدر تحقيق المبيعات والرواج ودائما لا تخلو عناوينها من جريمة اغتصاب و حديث عن فتنة طائفية وقضية من زنا المحارم يتم صياغة العناوين بشكل ملفت بدون أي محتوى صحفي حقيقي , وقد عرفت هذه الصحف بالصحف الصفراء .
كان من النادر جدًا أن تجدَ خبرا من أخبار الصحف الصفراء في الصحف المرموقة التي كانت تنأى بنفسها عن ذلك لما تقدمه من محتوى حقيقي , ودخلت الصحف عصر الانترنت .
تدريجيا بدأ كل شيء يتغير , واختلطت الصحافة الصفراء بالصحافة الحقيقية لصناعة عدد كبير من الزيارات وصارت أخبار الصحافة الصفراء معتادة في سياق المواقع الإخبارية الحالية كأخبار جاذبة لجمهور معين والغرض تحقيق عدد كبير من زيارات الصفحة .
مؤخرًا تناثرت أخبار قضيّة فًتيات التيك توك في كل مواقع الأخبار وعلى رأسِهَا المواقع الرسمية والحكومية و الخاصة المتعاونة مع الحكومة المصرية وهي تحمل تهمًا تتعلق بالحفاظ على القيم في المجتمع وهي ذات الصحف التي تنشر بالتفصيل كل شاردة وواردة في قضايا تتعلق بزنا المحارم و فتيات مشهورات تعرضن لاغتصاب و عشرات الأخبار ذات الكوارث الأخلاقية والأبعاد الجنسية .
هناك موقع مصري اخباري شهير ربما هو الأشهر على الاطلاق وأحد المدافعين بضرَاوة عن الحفاظ على القيم في المجتمع عن طريق حبس فتيات تيك توك , تحمل ادارته اهتماما غريبًا بمؤخرة كيم كارداشيان وأخبارها وما يتعلق بها وبأسرتها !
أشهر المواقع الاخبارية المصرية والمعبرة عن الحكومة وتحمل ولعًا غير طبيعي بنشر أخبَار تحملُ عناوين شديدة السوقية مثل ( أب يَغتصب ابنته ويحبسها لمدة سَنتين ) , (منّة عبدالعزيز تحكي تفاصِيل اغتصابها ) , (تعرف على ثروة …) , (فيديو فاضح جديد لسما المصري ) أو لأي شخص , ( فلانة تتهم فلان بالتحرش ) , الخ
ذابت أخبار الصحافة الصفراء وسط الأخبار الحقيقية التي صارت صفراء بدورها وقد تم تبييض الجميع ليكون هذا هو الاعلام الحقيقي المعبر لمحدثي الاعلام والقراءة , لكن يظل المتابعون القدماء مثلي قادرين على التمييز دائمًا مهما تنكرت هذه الأخبار وبرزت في أسماء عملاقة أو تستحوذ على العلامات الأساسية في الأخبار , سنظل نعرف أنها صفراء تخاطب الغريزة , لا بيضاء تخاطب العقل !