هبة السهيت تكتب عن كسرى الأخير

رواية كسرى

الكاتب / حازم إسماعيل

دار غراب للنشر والتوزيع

1- الرواية تنتمي للروايات التاريخية

2- الاطار الزماني : يقع بين عام (579 م- 641 م) وهي من أول حكم (هرمز الرابع إلي سقوط الدولة الفارسية علي يد المسلمين)

3- الإطار المكاني : “قرية بسيطة من قري أرض السواد ببلاد الرافدين تطلُّ على نهر الفرات.. ” – لكنها في المعني الدلالي : كل أرض عربية بها مستبد قاهر متجبر. حيث يستدرك بعد ذكر دأنها قرية من أرض السواد فيقول مباشرة :

“نموذج مصغر لقطاع عريض من شعب مطحون يرزح تحت نِير الظالمين.. أصلهم عربي كانت لهم السيادة على أراضيهم إلى أن زحف عليهم العدوان.. التهم أرضهم الماردُ الفارسي الرهيب، وبالتحديد الإمبراطورية الساسانية وريثة مملكة فارس سلالة الأكاسرة” .

– والأكاسرة في التراث الديني والمخيال الشعبي ، هم رمز الاستبداد ، والترف السفيه ، هم النقيض لكل القيم الإنسانية الرفيعه ، وهم الرمز العلو والعتو مع القياصرة و الفراعنه . – والتي يعبر عنه الصوفي المعبر عن خلاصة المخيال الشعبي الديني : فيقص القشيري قائلا: ” كان يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله يقول لعلماء الدنيا : يا أصحاب العلم ، قصوركم قيصرية ، وبيوتكم كسروية ، وأثوابكم ظاهرية ، وأخفافكم جالوتية ، ومراكبكم قارونية ، وأوانيكم فرعونية، ومآثمكم جاهلية ، ومذاهبكم شيطانية ، فأين الشريعة المحمدية ؟!” – ويقول الغزالي الصوفي في إحيائه ، يقدم به باب الموت : ” الحمد لله الذى قصم بالموت رقاب الجبابرة ، وكسر به ظهور الأكاسرة ،وقصر به آمال القياصرة” – فالأكاسرة هم الرمز الأجلي النقيض للقيم الدينية الإسلاميه . – فانفتح بذلك التأطير الزماني والمكاني واتسع من ضيق وخصوصية الحيز والزمان ، إلي سعة وعمومية المعني والدلالة.

4- والهدف من القصة التاريخية عموما هو مخاطبة الحاضر بوصفه لحظة إعادة إنتاج للحدث القديم فإن لم يكن متطابقا معه ، فباستخراج العبر والاسقاطات . – أو هي قراءة الحدث وإعادة تقييمه في ضوء الواقع الموضوعي .

5- عناصر الرواية تقع بين قصر كسري وجنده ورجاله ، وبين الشعب العربي الذي يستر عروبته ، خوفا من بطش كسري ورجاله

6 – القصة ليس فيها شخصية رئيسية ، بل البطل في القصة هي الأحداث . – وإن كانت أبرز عناصرها بعد كسري: – مؤامرات القصر بين شيرين وماريا – قصة ماهان وجمان ، وبحثهما طوال القصة عن بعضهما – (نرسي ) وقد امتد دوره الي نهاية القصة تقريبا وكان دورا مؤثرا ، حيث كان سببا في التفريق بين ماهان وجمان ، ثم تتبعناه من قائد جند دهقان إلي أن وصل إلي حرس كسري ، ثم وقيعته بين القائدين ، حيث قتلاه عند اكتشاف خيانته لهما . – واستطاع الكاتب أن يصف هذه الشخصية ببراعة ، وهي شخصية موجوده في كل الأوساط وفي كل الأزمنه . (شخصية المتسلق ، المنافق ، تحركه مصالحه الضيقه بلا أي وازع أخلاقي)

4- قد يظن القارئ أنها رواية تحكي تاريخ الكسري الأخير ، والذي قضي علية الفتح الاسلامي – لكن الرواية في حقيقتها هي قصة الاستبداد والتجبر من الحكام ، والظلم البشع الذي يقع علي الضعفاء من أصناف الشعب المسالم الذي لا يملك من أمره شيئا أمام جند مدجج بالسلاح تعمل مع الحاكم الفاسد الفاجر ، ثم يتلاعب الجند به ، ويقتلونه . – فالحكاية ليست هي الهدف في ذاتها بل ، هي أداة لكشف العلاقة اللازمة بين الاستبداد وشقاء الشعوب ، بين الاستبداد والفساد والفوضي ، التي يكابد آثارها الشعب الذليل المستسلم. – هدفها الكشف عن احتياج المستبد لقوة جيشه ورجاله للحكم والسيطرة علي شعبه ، ولابد وأن ينقض عليه هذا الجيش بالضرورة عند أول بادرة ضعف تصيبه . – تكشف حيل المستبد في تزييف هزائمه بالإعلان عنها كانتصارات (كما حدث في معركة ذي قار) ، وهذا المعني يظهر فيه الإسقاط أكثر مما يدل عليه التاريخ الموضوعي . – تكشف عن آلية زج المستبد لجيشه الذي هو شباب شعبه المغلوب علي أمره ، في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل ، وكلها تصب في مصلحة المستبد . . – ثم تكشف معاقبة المستبد لرجاله وقادة جنده ، بالقتل والسجن ، إذا أصابتهم الهزيمة ، وإن كان هو المتسبب فيها ، بعدم تجهيزهم وتأهليهم لمواجهة العدو ، لا ماديا ولا نفسيا . – تكشف الإنفاق السفيه للمستبد علي شهواته وملذاته ، إنفاقا بالغ الاسراف ، من أقوات الشعب المستضام ،الذي يعاني أشد المعاناة من شظف العيش . – الرواية مليئة بالكشف والتعرية ، بشكل كبير وواضح لمظاهر وخبايا المستبد ، وأثره علي الشعب المقهور ، ودور الاستسلام الشعبي في زيادة تجبر المستبد . – وإذا استدعت الرواية لنا نصا ، فالنص المستدعي سيكون بالضرورة مؤلف الكواكبي الأشهر : (طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد) .

6- واستخدم الكاتب في سبيل هذا الكشف تقنية المناوبة ، التي يناوب فيها بين علاقتين مختلفتين : هما : السلطوي والشعبي . وتتيح هذه التقنية للقارئ أن يتأمل التاريخ الاجتماعي والسياسي في وجوهه المختلفه، ويعري المستتر من قبائح الاستبداد ، والمستتر من قبائح الاستسلام من شعبه، الذي يجعل المستبد ورجاله يصلون في تجبرهم إلي درجة الاعتداء علي الأموال والأعراض ، بل والرقاب ، باسترقاق النساء والرجال . – فما أن يذكر ويفيض في بيان السرف والبذخ السفيه لدي كسري ، إلا ويتبعه بحالة الشعب المنكوب ، وشدة معاناته . – وما أن يذكر تفسخ العلاقات بين كسري وقواده ورجاله وعائلته ، إلا ويتلوه ، ببيان التراحم والتعاضد ، التساند بين القوي الشعبية . – ما أن يذكر الخيانات والفساد في قصر كسري ومجتمعه الذي يحيط به ، إلا ويتبعه ببيان الشرف في التعامل في الفضاء الشعبي ، والأمانة والتعاون ، والتساند . – وفي مقابل التشتت في قصر كسري وبين قواده وأتباعه ، نجد التوحد والتجمع بين الطبقات الدنيا – فظهر عالم كسري ومعه عالم النخبه ، علي طرفي النقيض، من العالم الشعبي ، بينهما ما يشبه المفاصلة الكاملة في الحياة الواقعية ، والرؤي، والقيم و الأهداف . – واجتمعت كل هذه المعاني في شخصية (جومانا) التي عاشت في هذا القصر الباذخ ، الأسطوري ، لكنه كان لها سجنا ، لا تستطيع الخلاص منه ، إن المحك هنا ليس جمال المكان وبذخه بل الشعور بالحرية والاستمتاع بها . – بل وكان هذا المعني هو أول ما واجهنا به الكاتب في صفحته الأولي ، بعد أن وصف لنا جمال المكان، استدرك بقوله :”وهل يستمتع بالجمال من تكبله الهموم وتقيده الأحزان “ وراح يشرح لنا أحوال القرية او المجتمع المنكوب .

7 – لما كان التاريخ المكتوب لا يؤرخ في أغلبه إلا للسلاطين والأكاسرة ،والقياصرة ، والوزراء ، والقواد والعلماء ..الخ أي هو تأريخ للنخبة ، أو هو تاريخ للحروب ، والانتصارات والهزائم ، ولا يؤرخ في إجماله للناس في حياتهم ومعايشهم وأخلاقهم وقيمهم ومعاناتهم ، ولا نري توصيفا لأحوال الشعوب ومعانتهم بشكل دقيق ، ربما نجد إشارات عابرة استلزمها السياق التاريخي للنخبة ، ولا نجد وصف المعاناه للطبقات الشعبية المطحونه بشكل مقصود . – فقام الكاتب بتخليق عالم قصصي للطبقات المقهورة ، بألامها وأحزانها ومعاناتها ، ويتمثل هذا العالم عبر وعي الأشخاص ،موضوع هذا العالم المتخيل ، وتؤسس أشخاص القصة لنفسها حقلا دلاليا خاصا ، بعيدا عن المرجعية التاريخية .

8- – نوع الكاتب في سرده بين الرواية والحوار ، وأضاف لوحات أدبية مونقه بقلمه الرشيق ، قدمت للقارئ صورا حيه ، للمكان ،ولبعض الأشخاص ، في أكثر من موضع . ملاحظات :

1- تخصيص الكاتب لقصته شريحة من المجتمع الفارسي ، ذكر أنهم عرب ، احتل الفرس أرضهم ، قزم قضية الاستبداد ، وحصرها في الاحتلال من قوي خارجية ، مع أن شرحه للاستبداد ، كان أشمل وأعم من شريحته . – كما أن الاستبداد الكسروي كان كاسحا لطبقات الشعب الفارسي بأكمله . حيث يقول الكاتب (هوما كاتوزيان ) في كتابه (الفرس، ايران في العصور القديمه والوسطي والحديثه ) : ص17 “أما في إيران فكانت الدولة تقف فوق الهرم الاجتماعي وتنظر إلي المجتمع بأكمله (في أعلي السلم الاجتماعي أو أسفله ) كقطيع أو عبيد . “

2- كثرت المقاطع التي يتدخل فيها الراوي بالشرح والتوضيح ، وطروحاته ،وكان من الافضل لو جعلها علي لسان شخصيات القصة .

3- رغم أن بداية القصة كانت تبشر بدور كبير للطبقات الشعبية ، إلا أن إجمالي أدوارهم كان سلبيا ، وكانوا دائما في مكان المفعول به .

4- الخلاص من الظلم والاستبداد أتي من الخارج ، وبقوي مسلحة خارجية. وهي تمثل رسالة سلبية . 5- تم تناول المعارك بالشكل الكلاسيكي ، وكان نقلا مباشرا وربما اعتمد علي أن الروايات التاريخيه لا تنقصها الدراما . وأخير : – يحمد للكاتب استخدامه لغة رصينة ، صحيحة ، لم يرتفع بها فترهق القارئ المتوسط ، ولم ينزل بها فتُنتقد من المتخصص . وسلمت لغته من اللحن و الإغراب ، و العامية . – ويحمد للكاتب شرح الكلمات التاريخية ، والمصطلحات الفارسية ، بحيث لا يرهق القارئ في البحث ، أو يقطع عليه الاسترسال في القراءة .

هبة السهيت

Related Posts

١٤ سبتمبر : أمسية إطلاق متاهة زوربا و ما تاخدش في بالك أو خد من غايا للنشر

📚 ندعوكم لحضور أمسية أدبية مميزة!في لقاء خاص يجمع بين الشعر والسرد، يسعدنا في دار غايا للنشر والتوزيع أن نشارككم إطلاق ومناقشة: 🔹 كتاب “متاهة زوربا”🔹 وديوان “ماتاخدش في بالك…

أكاذيب لوك لاهورا لسكوت لينش من عصير الكتب

نشرت عصير الكتب على صفحتها : عصير الكتب تقدم لكم 🎉 ترشحت الرواية لجائزة الفانتازيا العالمية وجائزة لوكاس.حياة اليتيم غامضة -وغالبًا قصيرة- في جزيرة كامور المظلمة، حياة شديدة القسوة، قصيرة…