
رواية الأخيذة
الكاتبة / نهلة الهبيان
دار غراب للنشر والتوزيع
أنتجت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سوريا عام 1996 مسلسلا” اجتماعيا” تحت اسم ( المحكوم) بتجاوز شرح مضمونه والوصول إلى مبتغى ذكره، تم إثر عرضه تعديل الدستور السوري.
استهل مقالي بهذه المقدمة تيمنا” واستبشارا”، لما ستلاقيه قضية الرأي العام المطروحة في رواية ” الأخيذة ” للكاتبة نهلة الهبيان، تطوي هذه القضية في ملفها قصة نموذج يمثل عدد لاسبيل لإحصائه، إذ غالبا” مايتم السكوت وكتم مثل هذه القضايا.
تبدأ القضية من زواج قاصر بثري عربي، ولا ينتهي تسلسل القضايا اللاحقة التي تداولتها الروائية من قريب أو بعيد، ولخصوصية هذه القضية وحدوثها بين مجتمعين عربيين مختلفيين، يتوازن حجمها مع ضرورة إيجاد حل لها.
{ على طاولة التشريح }
يقرأ القارئ للمتعة، للفائدة… يقرأ وتقرأ مجمل خلاياه معه، وكل خلية تنهل ماتحتاج إليه وتغب ذلك غبا”، أما أن نقول له دع عنك هذا و هلم بنا إلى المشرحة، سجي لنا مقروئك، وجرده لنا ثم اشرح لنا عن أجزاءه فهذه هي معاناة من اتخذ على عاتقه مهمة النقد التي لاتطاق بسهولة.
1-الحوار:
تغلغل الحوار في سرد الرواية دون أن يطغى عليه، فأكمل نقصه المعلوماتي، واعتمدت الكاتبة عليه في تصعيد الحدث وإظهار ماتخفي الشخصيات في داخلها كحوار مروان بيك مع هالة إذ جاء فيه:
-ومن قال لك إنها خمر، هذه مشروبات روحية، أما رأيتها من قبل في المملكة ياملكة؟
=مملكة و ملكة؟
_نعم، أماتناولتها مع أميرك المولع بالنساء الجميلات وسمساره المخلص من قبل ياجميلة؟
وضح هذا الحوار نية مروان بيك الخفية تجاه هالة، وأثبت حدسها تجاهه، فغير منحى سير الرواية، بالالتفاف والعودة إلى نقطة البداية.
مجمل الحوارات الدائرة بين شخوص الرواية كان إبداعيا”، وناسب ناطقيه، حتى تكاد تسمع أصواتهم بلكنات لهجاتهم كقول السمسار:
بلادكم منيرة بأهلها يالغالي.
الجملة التي اشتهر بها أهل الخليج وباتت علامة مسجلة باسمهم.
2-السرد:
نقلت الكاتبة أحداث الرواية بسرد متناوب بين الإجمال والتفصيل، فأجملت في سرد بعض الأحداث واقتضبت آلية حدوثها، كاقتضابها لكيفية سفر تلك القاصر، وإجراءات سفرها، فقالت:
وطأت بقدميها المثقلتين مملكة الأسودين.
واكتفت بهذا القول.
بينما أسهبت وفصلت أحداثا” أخرى كوقفة هالة للوداع، فوصفت وداعها لأدهم وأبويها وأختيها ومنزلها، بعبارات تشرح حال كل واحد منهم لحظة الوداع، وأعقبت وصفها بوصف آخر قالت فيه:
كل هذه الوداعات لم تكن سوى نظرات من عينيها، تجول بها بينهم، تحد النظر غي كل شيء لحظات ثم تتحول عنه لآخر حتى صفر جرس الرحيل بصوته المزعج …
إلى آخر وصفها.
كل ذلك يحسم في سرد جذاب وسلس ورشيق، تنقل بخفة من فصل إلى آخر.
3-اللغة والبيان والبلاغة:
منذ عنوان الفصل الأول ( أول الذكرى أكمة ) أدركت أن لغتي الفقيرة لن تغنيني عن استخدام القاموس أو المعجم، فلغة الرواية لغة من طراز خاص رفيع المستوى، واكتسبت ذلك بل وزاد على ذلك غناها ببعض النصوص النثرية وقصة مصاغة من بديع الألفاظ، بحرفية وإبداع، وبضعة رسائل، مكتوبة بحروف لؤلؤية.
كنثرها:
أعد لي القلب من جديد
أعد لي عمري الوليد
يجري صوتها الخفيض
بين جنبات روحي
كما النهر يشق الجلاميد.
أما القصة فكان منها :
أنا من اشتقت صوتك الندي، ياخلاصة الطهر وآخر قطفة في موسم النقاء وأجمل شمس سطعت فأنارت الكون بهجة فعشبت أرضه خضارا” وأزهرت زنابق حب أبدي تقلني إليك في كل حلم شفيف.
4-التيمة:
موضوع الرواية متميز بإنسانيته، ويكاد يكون نادر طرحه على الساحات الإعلامية والأدبية والقضائية.
فبلغت به الرواية أعلى درجات الأدب الهادف، وسبقت بها مثيلاتها من الروايات ذات الموضوعات الساخنة، التي قل من تجرأ وطرح مثلها في العالم العربي.
5-المعالجة الروائية:
عالجت الروائية قضيتها بمهارة فائقة وأحكمت قبضتها على خيوط الأحداث، فنسقتها ورتبتها بعناية، وتفننت في تسليط الضوء على أحداثها وشخوصها.
وإن دل ذلك على شئ فإنما يدل على حنكة الرواي وبراعته في المعالجة.
6-النهاية:
تم التمهيد للنهاية بتأني وتدرج، وكأن الكاتبة عمدت إلى ذلك لتخفيف صدمتها على القارئ، فوشوشته بهدوء قائلة:
لن تهرب من الواقع بالقراءة.
7-تقديم الشخصيات:
تقدمت كل شخصية في الرواية حسب ظهورها والحاجة إلى ذكرها، ولكن بأساليب متعددة، فمنهم من تم تقديمه بالحديث عنه سردا” مثل أدهم أو الحديث عن فعله مثل الأمير، ومنهم من قدمه حواره وكشف الستار عنه مثل رهف.
8-الحبكة:
حبكة الرواية جيدة جدا” في غزلها من خيوط الواقع، وإن اعتمدت في بعض الأحداث على الصدف، والاعتماد على الصدف يجعل الاحتمالات الأخرى تتقافز أمامنا وتسألنا عن سبب تجاهلها.
ففي ذكر خروج هالة من قصرها، ظهر رجل طيب لمساعدتها يحمل نفس جنسيتها، حبك دوره لخدمة سير الرواية وحسب، لا على أساس احتمال وجوده هو الاحتمال الأكبر.
أستطيع القول أن بعض الضعف في الحبكة باعتمادها على احتمال ضعيف، ظهر كمطب أمام سائق محترف تجاوزه بمهارة ليقول الداري: للقدر أحكام خفية لاندركها على الفور أحيانا”.
(الأخيذة-قضية رأي عام) قضية أو مجموعة قضايا سلم المجتمع بتفاقمها واستسلم لها، مبررا ضعفه بفقره وجهله وجبنه، أمام قوة وسلطة طرفها الآخر.
السكوت عن هكذا قضية وكتمها، ثم دفنها تحت تراب المروج الخضراء، حل لايجدي نفعا” ولايعني موتها واختفائها إلى الأبد، ستنبت قصبات المروج، وستغدو نايات تعزف سر دفن هذه القضية، كما عزفت نايات حلاق الملك سره المدفون :
أذني الملك كأذني الحمار.
الأخيذة قضية رأي عام الصادرة عن دار غراب للنشر والتوزيع.
قضية تستحق أن تنال مانالته قضية مسلسل المحكوم السابق ذكره، ليتعدل كل دستور من أجلها، الذي هو أساسا” موضوعا” لإقامة العدل، وإحقاق الحق.
مرام الشمالى