
يوميات طبيب فى الأرياف
- ٥ – لبوسة عم نبوى
جلست على مكتبى بالعيادة الخالية من المرضى حتى الآن …
الهدوء يغلف المكان إلا من صوت حفيف أشجار تطاولت أغصانها حتى تكاد تلامس صفحة النيل الهادئ …
هدوء .. وجمال .. أغرانى بإخراج أوراق الاسكتش وأقلام الفحم لأخرج وأجلس أمام العيادة لرسم هذا المنظر البديع ..
وبينما كنت أخرج أدوات الرسم إذا بصوت رتيب متكرر يأتى من بعيد …
من أول الشارع الضيق الملاصق العيادة
كان الصوت ضعيفا بعيدا آخذا فى القرب والإرتفاع
آااه يانى يا …….ى آااه يانى يا…….ى
تبسمت متعجبا من بذاءة بعض الشباب والفاظهم الخارجة …
فقد كنا فى زمن كان النطق بإسم العورة فيه بذاءة
اقترب الصوت أكثر فأكثر حتى أصبح على باب العيادة ..
دقات شديدة على الباب … ثم يفتح بعنف …
ويقع قلبى بين رجلى …
إنه الحاج نبوى …
- يا ستار يا رب ايه إللى حصل؟
الحاج نبوى .. تاجر الأعلاف الأكبر فى القرية .. رجل نحيل أسمر قصير القامة يقترب من الستين
كان قد أتى إلى بالعيادة مريضا بالأمس ..
مجرد التهاب بالحلق وارتفاع بالحرارة …
أتى سائرا على قدميه و زى الفل
كتبت له العلاج اللازم له برشام ولبوس وحقن … هو من طلب الحقن
حتى أننى صرفت له العلاج من دولابى الذى أصبح صيدلية البلدة
والآن يدخل على وولديه يحملانه ..
برعى وشاكر … حائطين بمعنى الكلمة
كل واحد منهما طول بعرض وكأنه حائط
تعجبت عندما زارونى بالأمس …كيف لهذان الحائطان أن يكونا ولدى عم نبوى
كانا يحملان والدهما بطريقة عجيبة !!!
كان هو يحيط رقبه كل حائط منهما بذراع من ذراعيه… وكل حائط منهما يمسك بفخذ من فخذيه …
العجيب أنهما كانا يباعدان ساقيه عن بعضهما بطريقة غريبة حتى يكادوا أن يجعلوها زاوية180 درجة
أخذت ضربات قلبى تتسارع .. وكل ما خطر ببالى أنهم أعطوه الحقنة بطريقة خاطئة أصابت العصب وسببت له شللا - إنت عملت ايه فا ابويا ؟؟
تساؤل استنكارى وليس استفهامى من أحد الحائطين
لم يسمع إجابتى بالطبع من صراخ الحاج نبوى
….اااه يانى يا …….ى - مين اللى اعطاه الحقنة.؟؟
تساءلت بحزم محاولا التمهيد لهم بالمتسبب و إبعاد التهمة عن نفسى - حقنة إيييه؟
مجاوبا أحد الحائطين … - هو لحق ياخد حقنة واللا حاجة؟
ده من ساعة ما حط اللبوسة دى وهو حاله كدة من امبارح - لبوس ايه إللى يعمل كل ده؟
رأيت اللبوس الذى وضعه … هو مظبوط - ما المشكلة؟؟
- مشكلة !!! المشكلة إن اللبوسة واقفة ف …. من إمبارح !!!
- لبوسة إيه اللى تقف ؟؟؟ دى بتسيح فى دقائق
- تسيح إزاى ؟؟ هى … أبويا إيه ؟؟ فرن
قالها الحائط الأيسر صارخا ومستنكرا …
ثم وهو يحمل نصيبه من الحاج نبوى بيده اليسرى … يضع اللبوسة بيده الأخرى على المكتب و يضربها بقبضة يده
لم تنكسر اللبوسة. ….
صاح منفعلا مستفزا لى .. - دى لو قعدت سنة فى …..مش هتدوب
على ما اذكر كان اسم اللبوس سبازمو سيبالجين لبوس للحرارة وكانت كل لبوسة موضوعة فى أسطوانة بلاستيك صلبة (باغة ) و لها غطاء …
والحقيقة أننى لم أكن أفهم السر فى كل هذه الإحتياطات من شركة الأدوية وكأن اللبوسة كنز ثمين
حاولت إفهامهم أنه كان يجب اخراج اللبوسة من علبتها واستعمالها هى فقط - طب والغطا ده ؟؟
- يترمى طبعا
- ياسلام … ماحنا دافعين ثمنه هو كمان
كان كل هذا الحوار وسط صراخ الحاج نبوى بكلمة واحدة لا تتغير
آه يانى يا …. آه يانى يا ….
حتى صرخت فيه أنا الآخر … بس بقا
وصرخ فيه ولداه .. بس يابا خرقت وداننا
هدأ قليلا واستكملنا جدالنا أنا والحائطين - طب وأنت ما فهمتناش ده من الاول ليه ؟
صرخ الحائط الأيمن - اتصرف حالا وخرج له اللبوسة
- لبوسة ايه إللى اخرجهاله منك له ؟
…دى عايزة جراح - مش انت بتجرح ؟
… رد الحائطين فى صوت واحد - الله يخرب بيتك يا دى المذيع…كان لازم تجود يعنى !! هكذا حدثت نفسى
- ده محتاج بنج ..انقلوه المستشفى الاميرى
- لااااااء الأميرة لاااااا الأميرة لااااا صرخ الحاج نبوى مغيرا جملته لاول مرة
- انتو عاوزين تموتونى زى ما موتوا تفيدة…..
لم أسأل بالطبع من هى تفيدة ؟؟
ولم أعرف حتى الآن كيف موتوها فى المستشفى الأميرى ؟
وبين رجاء الحاج نبوى وبكاؤه من ناحية والتهديد الضمنى من الحائطين لى بأن اصلح غلطتى ….
نويت إصلاح خطئى …
ومحاولة إخراج اللبوسة !!!
يتبع