السارقة – قصة قصيرة – يارا حسني

إنها من وقعت عيناه عليها – لأول مرة – بالمركز التجارى ” الهايبر” ، هى غير عادية بكل شىء ، ولو أنه يعجز أحيانا عن تمييز الأختلافات بينها وبين سائر الفتيات ، لكنها حقا مضيئة كقطعة الألماس النفيسة .
كانت ” مى ” من الوجوه المعتادة للمجىء بالمركز التجارى ، حيث يعمل كاشيرا ، وكانت كلما تجولت هنا وهناك ، لم تكن عيناه تتوقف عن متابعتها بلهف وجنون ، وذات مرة تقدم أحد أفراد الأمن بإتجاهها بشكل عنيف صارخا : ماذا تفعلين ؟ ثم ينادى : يا محمد ، يا سلامه ، فيهرول إليه نفرين من زملاءه يحاصرونها ، ويتدخل أسامه بعد أن فزعه المشهد ، خالقا بعقله الظنون والتسائلات ، صاح العم حميد : إنها السارقة يا أستاذ أسامه ، أنظر ألى ملابسها ، مظهرها وأناقتها ،ماذا تركت للمحتاجين والفقراء ، إنفجرت بالبكاء قائلة : ماذا تقول يا رجل ؟ هل أصابك الجنون ؟
قال : ولا تخجلين من فعلتك المشينه ، قاطعه أسامه : أتركها يا عم حميد ، شكرا لك دع الأمر لى ، مقتربا منها كما لو أنه يريد أن يشملها بمجاله و عطفه ، أشاح الرجل قائلا : لا يصح هذا مع أمثالها ، إذا أردت الأستشهاد بكاميرات المراقبة ، فلا مانع
يحتد قائلا : أترك الأمر لى ، شكرا لك ، وعاد برفقتها إلى محله وهو يطمأنها قائلا : لم يحدث شيئا ، سيصير الأمر على ما يرام ، يحدث أحيانا أن نسهو ونضع بعض من المشتريات فى حقائبنا الخاصة ، لاحظ أنها لم تتوقف عن النظر إليه برهف وإمتنان ، كانت تشع بريقا من الرقة والأنوثة حتى فى بكائها ، بينما تلتفت يمينا وشمالا بوجه مكفهر ، أعطى لها شيك دفع حساب المشتريات قائلا: فقط ألفى جنيه ، أخرجت من حقيبتها بطاقة الإتمان البنكى بيد مرتعشة وأعصاب منهاره ، ثم مضت وعقله لا يكف عن طرح التسائلات ، أما عن قلبه فقد أصيب بسهمها النافذ دون مقاومة منه .
ومضى يومان حاول فيهما أن يتجاوز الموقف العابر ، متناسيا بريقها الآخاذ ، الذى رمى به إلى الخازنة العاطفية التى تخصها ، ورأها من جديد تتجول بين أروقة السوبر الماركت ومعها صديقة ، تمنى لو أتت إليه دون غيره من أفراد الكاشير ، وحدث ووقفت بصف الزبائن أمامه ، وأتى دورها وتلاقت الأعين وأحتدم الشوق بداخله ، متظاهرا باللامبالاه ساد صمت قطعت حدته قائلة : أنا ممتنة لك ، لقد أنقذتنى من فضيحة كبرى ، ومشكلات لا يمكن تخيلها .
أبتسم قائلا : لا داعى للشكر ، بحكم خبرتى أستطيع أن أميز بين الناس ؛ فلا يمكن إتهامك أبدا ، حاشاكى ، وضعت أمامه بطاقة تعريفية عليها الأسم ورقم التليفون والعنوان والبريد الألكترونى ..ألخ ، وتم التواصل بينهما ، تحكى له كيف تربت بين أبوين منفصلين ، وهى تعيش وحيدة مع مربيتها بحى المعادى ، لها أخ وحيد يعمل بوزارة الآثار ، وتوالت لقائتهما لتكشف له أنها عانت من أزمة نفسية جعلتها تعانى من سلوكيات غريبة من أهمها الأستحواذ والسرقة ، رغم عدم حاجتها ؛ وتفسير هذا أنها تعانى من حرمان عاطفيا ونفسيا زج بها إلى مثل هذه التصرفات ، ربط على كفيها قائلا : سأعوضك يا مى عما مضى ، وسننسى معا ما ألم بنا من خيابات ، مررت بالكثير أنا أيضا .
وفى يوم كانت الأجواء تميل إلى عاصفة فى فصل الخريف وقبل أن يتجه إلى عمله الروتينى الشاق آوى إلى ركن القهوة ، طالبا مشروبه الصباحى المعتاد ، وعندما دخل باب المقهى كانت جالسة هناك ، هى ذاتها ، لكن شخصا ما كان يجلس على المقعد المقابل لها ، أقترب منها فى أنفعال غاضب وأمسك بزراعها صارخا : من هذا ؟
يراها فى أرتباكها القديم متلبسة بتهمة أخرى وهى الخيانة ، وإذا بالشاب الذى ترافقه يتدخل : من أنت يا هذا ؟
تقول بصوت ضعيف يخالطه البكاء : أنا آسفة يا أسامه ، نسيت أن أحكى لك أنى كنت مخطوبة لهشام ، واﻵن قد عادت بيننا المياه إلى مجاريها
صاح غاضبا : اﻵن أراكى على حقيقتك يا بنت الأكابر ، لست أكثر من مجرد سارقة تندس بين البضائع لتقتنص أغلاها ، كان على أن أقطع يدك الآثمة الطماعة
بكت متوسلة : لم أكن أعلم أن يحدث كل هذا ، صدقنى كنت أظن أنه لن يعود ، وأنى نسيته .
قال وهو يصاحب النادل إلى خارج المقهى : أنها جريمتك وعقابك الإحتقار والنسيان مهما توسلتى ، أنت أكثر الناس مكرا مهما تظاهرت بالندم ، سيكون هذا درسا لى حتى أردع من يسرق الحقوق ويستحل هوان القلوب

تمت

Related Posts

سيدة الغيبات لد. نرمين نحمدالله في معرض الشارقة ٥ نوفمبر

نشرت التدوين العربي على صفحتها على فيس بوك: في عالم لا يعرف سوى أصوات السيوف وصرخات المحاربين، تحاول “درة الزمان”، التي تحمل في دمها إرثًا وتاريخًا عمره قرون. أن تصل…

مقعد شاغر في الذاكرة للينا نابلسي من دون للنشر

نشرت صفحة دون على فيس بوك : “صوفيا” المصابة بمتلازمة “ذهان كورساكوف” والذي جعلها عاجزة عن الإمساك بخيوط الذاكرة، تختفي فجأة قبل جلسة علاجها الأخيرة.تتحول القرية الجبلية إلى مسرح للبحث…