عندمَا وقفتُ أمام ذلك الباب العجيب كنت مباغتًا ، لم أصدق، لم يقل أحد أن رحلةً لساعتين في أهرامات الجيزة قد تطول لتستغرق سنوات .
سنوات من الدراسة والبحث عما وجدت ويراه العلماء ضربا من الخيال والخبال!
برديات تقُول أن القدماء كانوا ينتقلون بين الكواكب في سهولة ويسر، بأبواب من العلم والطاقة، أحدها في الجيزة، أحدها في بابل، أحدها اندثر مع المايا وغيرها..
أنا كدارس للآثار وعلى علمٍ بها كنت قد بدأت أشعر أنني قريب وقد حددت أكثر المسارات والأماكن التي قد يتواجد فيها الباب وهو بالتأكيد بعيد عن صخب الباعة والسائحين في رحاب أعظم ما بنى البشر! لكنني بوغتُّ حيث بين حجرين عملاقين لمحت ذلك الباب..
أقرأ الكتابة الواضحة على الباب باللغة الهيروغليفية : باب الكواكب البعيدة..
وبدت لي من الباب صخرة بارزة فضغطتها دون تردد.
فجأة لم يعد بإمكاني التقهقر للخلف، فقد أضاء الباب بضوء ساطع شعرت به يجذبني إليه في قوة شديدة وشعرت بالنور الشديد يغزو عينيّ، بل يتخلل جسدي كله..
كيف يتحول الجسد إلى ضوء، إلى طاقة خفيفة سريعة، كيف يكون غير موجود وقد صار موجودًا في كل شيء؟ كيف تذوب الأعضاء فتتحرر الروح..
فجأة شعرت بصدري ووجهي وأنا ملقىً على الأرض وأشم رائحة غريبة لم تمر علي من قبل ..
عندما نهضت وفتحت عينيّ أخيرًا بعد انغلاقهما لما لاقياه من نور ساطع ثم فركتهما عدة مرات لأتأكد من حقيقة ما أراه..
لم يكن هذا كوكب الأرض!
ظللت في حالة من الصمت .. الصمت الناتج عن صدمة الخوف والذهول ؛ حاولت استجماع كل قوتي لكى أنهض من على الأرض ؛ في محاولة لاستيعاب ما حدث .
وقفت أنظر و اطمن علي جسدي لما كنت أشعر بيه من الآلام ؛ لقد وجدت كل شيء علي ما يرام .
ولكن !
وجدتني أقف في مكان غريب ..غريب لدرجة أني شعرت بالشك في قوتي العقلية والبصرية , وتردد داخلي بعض العبارات المحبطة التي كانت تُردد علي مسامعي أغلب الوقت .
أنت قد أصابك ضرب من الجنون .
أنصحك بأن تذهب لطيب نفسي .
كف عن قراءة التاريخ الفرعوني لقد ذهب عقلك .
يالهي..! لقد اعطاك الله جمال الجسد من حيث الطول وعرض المنكبين وسواد الشعر وطوله ونعومة البشرة الخميرة الصافية ولكن ….أخذ عقلك .
مؤسف أن تكون هذه العبارات محفورة بداخلك وكأنها منقوشة كنقوش معبد ابو سمبل , وان يكن من قالها لك هو من انتظرت أن يكون دعمك فا هو أقرب لك من نفسك .
( اسوء اللحظات التي يمر بيها الإنسان هو كسرة روحه ممن ظن أنهم روحه ؛ ضعف إيمانه بنفسه بسبب كلمات الذين ظن أنهم مرأته ؛ فيا له من وجع يحفر ع جبين المرء مدي الحياة )
حاولت استعادة تركيزي وأنا أردد لنفسي ….كل ما قيل ليس بحقيقي , فأنا في كامل قوايا العقلية والآن أنا هنا .
أنا هنا والآن.
ثم ذهبت أستكشف ذلك المكان .
أنه مكان مملوء بالالوان الصافية .!
السماء زرقاء اللون وفيها بعض السحب البيضاء ..!
آشعة الشمس أيضا مزيج بين اللون الابيض والأزرق !
( وكأن السماء امتزجت بصفائها مع نقاء لون البحر )
كل شيء هنا حوالي باللون الابيض والأزرق .
فاجاءة سمعت صوت ..!
لقد سمعت صوت عصافير تغرد ..وعندما دققت النظر إليها شعرت أني انظر إلي مخلوق من الاساطير .
ما هذا الجمال …ما تلك الروعة التي تشرح الصدر .
العصافير أيضا تتمتع بمزيج بين اللون الابيض والأزرق !
ولكن ..!
أنها تغني !
أنها تغني كغناء البشر وعذوبة صوتهم كأنها انهار من الهدوء تسير في الجسد بعد عناء مهين .
فانتبهت مرة أخري قائلا ..أيعقل ما اسمعه !
وما أن حاولت أن أجمع قوتي لكي استوعب ما حدث وجدت أيضا حولي ورد …ورد !
ورد ليس له وصف …اقرب وصف له أنه كزهرة التوليب مزيج بين الأبيض والأزرق .
ولكن الورد سمعته يحدثني ..هنا شعرت ببرودة تسري في جسدي من الرعب والصدمة , و لكن حاولت أن أكون متزن حتي أفهم إين انا ؟!
ودار بيننا الحديث :
الوردة : أهلا بيك يا يحيي لقد انتظرنا قدومك كثيراً.
يحيي : أهلا بك أيتها الوردة ولكن من أين لكي أن تعرفي اسمي ؟!
الوردة : نحن نعرفك حق المعرفة .
يحيي: نعم ..؟! كيف ذلك ؟!
الوردة : أنت من اقتحمت عالمنا …عندما حاولت أن تعرف ما كان يحدث في أيام الأسلاف , فعلت ما فعله جدك الكبير.
يحيي: جدي ؟! تقصدين من ؟! جدي أيمن ؟!
الوردة : نعم هو ..فانت امتداد له .
يحيي : كيف ذلك ..فانا ليس إلا دراس لاثار والعوالم الماضية .
الوردة : دراس لاثار فقط ..! ام ليست بشغوف لتعرف كيف كان ينتقل القدماء بين الكواكب في سهولة ويسر , بأبواب من الطاقة أحدهما في الجيزة واحدهما في بابل ؟!
يحيي: نعم أنا ذلك .. ولكن كيف جئت لهنا ؟ وأين أنا ؟! وهل هذا الكوكب مقتصر ع هذا الجزء الذي نحن فيه ؟ وما اسم الدولة التي نحن فيها الآن ؟ وكيف سأعود لارضي ؟!
الوردة :اهدا قليلا ؛ سوف تعرف كل شيء ولكن لقد أنتهي دورنا .
عليك أن تعرف الإجابة وحدك ..وحدك يا يحيي .
صرت أتجول هنا وهناك إلى أن وصلت لباب ؛ ولكن من كثرة ضخامة هذا الباب عيناي لم تستطع أن ترآه كاملا.
وكانك تقف أمام بوابة الحياة , فكل شيء مليء بالبهجة والألوان الابيض والارزق ..وهناك بعض الأحجار الكريمة ولكن كان يتوسطه حجز الفيروز العتيق .
عندما أقتربت من الباب فإذا بيه فُتح بدون مساعدة وكأنه كا أبواب المطارات .
فاخذتني الشجاعة ودخلت ..فاذا بي أري حراس كثيرة في تناسق وتناغم وكأنهم كالبنيان المرصود .
وسمعت أحدهم يقول ..اهلا بك يا يحيي في أرضنا .
واردف قائلا : اهلا بك في أرضك …لقد انتظرنا قدومك كثيراً.
يحيي: أهلا بك ..ولكن من أنت .
أحد الحراس : أنا دليك وخادمك .
يحيي: نعم ؟! أنا لا افهم شيئاً.
أحد الحراس : سوف أخبرك بما هو مسموح لي , أنت في أرض الفيروز الازرق وهي أرض الخيال والخيل والأمان ؛ نحن خدامها ونعمل لأجل إعمارها تحت إشراف ملكتنا ؛ وهي الآن في انتظارك .
يحيي : ملكة ..؟! ملكةِ ماذا ؟ ومن هي ؟!
أحد الحراس: الان سوف تعرف كل شيء.
وذهبا سويا في نظام وكان يتبعهم عدد من الحراس , إلا أن وصلوا ألي سيارة وكأنها قطعة من السماء …يا لها من رائعة , ويزينها الورد من جميع الجوانب .
بعد بضع من الوقت وصلت إلي ذلك القصر الذي لا يقل غرابة وجمال ..تشعر أنه قد صنع من الورد الابيض ذات الغصن الاخضر ويتخللها ورود زرقاء اللون.
دخلت إلي القصر وقابلت الملكة …ملكة الفيروز .
وما أن دخلت حتي رأيا أجمل نساء الارض ؛ تردد بداخلي صوت يقول
أتمني أن تكوني لي .
( وكان الحب من النظرة الأولي كفيلة يجعل الكون يقف حولك وكانه دخل في حالة من الصمت ولا يتردد سوي صوت
وائل جسار :
نخبي ليه في أسرارنا وأنا وإنت مفيش غيرنا
ولو ننسى مشاعرنا نكلم مين يفكرنا
يا روح الروح بتنساني وأنا فاكر ومش نساي
تغيب عن عيني من ثاني ومن غير حب أعيش ازاي؟
ومهما تغيب بعيش وياك وأشوفك وردة في الشباك
ودمعة حب في عينيّ بتستناك يا أحلى ملاك
قالوا لي الحب له علامات في نبض القلب والهمسات
وروح بتطير تنادي عليك ورعشة إيدي في السلامات)
ولكن قاطعني ذالك الصوت الأنثوي وهي تقول :
أنا لك يا يحيي وأنت لي ؛ لقد انتظرتك كثيرا؛ اتعلم أنني أحب تلك الأغنية .
يحيي : بصدمة أنتي سمعتي حديث نفسي ؟!
كيف هذا ؟!
ولكن …! ( لحظات من الصمت )
يحيي : أشعر كاني عشت هذا من قبل .
( تحدث أحياناً معنا كثيراً من الأحداث ونشعر كأنا عشتها من قبل ..نظرية الديجافو )
الملكة : نعم يا يحيي ؛ كل هذا حدث من قبل فانا أجري في روحك ودمك , أنا انت وأنت انا .
أنا الملكة فيروز ملكة أرض الفيروز ؛ أنا اجمل من نساء الارض وأرق من الحور العين ؛ أنا المزيج بينهم ؛ فانت لك وانت لي .
يحيي : ماذا تعني بانا لك ..وانت لي ؟!
الملكة : اهدأ قليلا…لكي استطيع أن اشرح لك الأمر كله .
يحيي: حسناً ..أنا منصت إليك الآن.
الملكة : أنت البشري الذي انتظرته أرض الفيروز منذ قديم الأزل …منذ أن جاء إلى هنا من قبلك جدك الأكبر أيمن ؛ ووقع في غرام ملكة نهر الكوثر عندنا …وتزوجها ؛ وحدث اختلال في توازن الطبيعة , وكانت أرضنا تنهار وكان لابد لهم من الفرار لمكان آمن ؛ فقرر جدك الرجوع إلى ارضيه ومعه الملكة وأبيك الفارس ..وعاش في أرضكم حتي تزوج أبيك وولدت انت ؛ فكانت أرضنا تنتظر قدموك لتحيها مرة أخري ؛ ولكى نتأكد من أنك أنت الشخص الصحيح علمنا بوجود الشامة على كتفك ؛ وظهرت لك في احلامك .
يحيي: حسنا …لقد فهمت بداية الأمر ولكن ما لا أفهمه ؛ ما دوري انا ؟
الملكة : دروك هو أن نتزوج وان ننجب لكي تستمر السلالة تستمر أرضنا .
يحيي : ماذا ؟
الملكة : كما سمعت ؛ ثم قامت بنزع الملابس عن كتفها الأيسر فكشفت عن نعومة بشرتها وصفاء لونها وظهرت الشامة علي شكل فراشة ألوانها مزيج بين الأبيض والأزرق بدرجاته ومحفور أسم يحيي بلغة الهيروغليفية .
يحيي : في تلك اللحظة قام يحيي بنزع الملابس عن كافه الأيمن الذي أظهر قوته عضلاته ؛ وظهرت أيضا تلك الفراشة وتحتها كلمة بلغة غربية ولكن مجرد أن نظرا إلي بعضمها البعض أضاء الفراشة نور أزرق قوي وظهرت أسم الملكة ع كتف يحيي وتحته اسم مهرة الفيروز .
لحظات من الصمت؛ الصمت ليس فقط لهول الموقف ولكن لغة العيون ( فالعيون لها لغة غير منطوقة ولكنها تستطيع أن تعبر عنا بداخلنا فهي بوابة روحنا ؛ عينى مهما بغمض شايفاك روحى قبل كلامك سمعاك
وقلبى بقى قلبى بجد معاك
كل حواسى بتتحرك وتقول حباك
حاسة بنبضك حساك وان رحت بعيد ما انساك
عرفاك عارفة انى وراك ضحك حزنك واساك)
يحيي : بعد أن استعاد وعيه فهو كان في عالم آخر غير الذي هو فيه ؛ يالهي أيعقل من كانت في أحلامي انتي ؟!
الملكة نعم يحيي هذه انا ..ولكن لم يبقي لدينا وقت كافي للحديث أكثر ؛ فالوقت يمر وقد يأتي موعد رجوعك أرضك قبل أن نستطيع أن نتزوج وننجب ؛ لكي تحافظ ع حياتك وع أرضنا .
يحيي :كيف سيحدث ذلك ؟! كيف يمكن أن نتزوج وايضا ننجب ؟ الوقت ليس في صالحنا .
الملكة : ضحكت بذلك الصوت الأنثوي الذي خطف جدران قلب يحيي ثم قالت :
يحيي الوقت عندنا ليس كالوقت عندكم .
يحيي : ماذا ؟!
الملكة : في الساعة الواحدة عندنا بحوالي 7ايام ؛ لذلك معانا وقت ؛ أما عن وقت الحمل فهو مختلف عنكم .
يحيي: حسناً..ولكن هل ساعود إلي أرضي ؟
الملكة : نعم .
يحيي : هل ساستطيع أن أعود لك!
الملكة : نعم ..فانت في يوم الواحد والعشرين من كل شهر فبراير حسب توقيت ارضك تستطيع العودة لي.
يحيي بفرح : حسناً .
الملكة : إذا ..أيها الحراس … دقوا الطبول ..بإعلان الزفاف .
وبعد ام تم الزفاف أصبحت الملكة تحمل ابنتهم مهرة الفيروز ؛ في محاولة منها لان تجعلها تمام .
وبعد أن نجحت المحاولة ؛ ذهبت الملكة تقف بجوار زوجها يحيي وهو ينظر بشروط وحزن مخيم عليه .
الملكة قطعت شروده قائلة ..أشعر بوجعك يا يحيي ولكن هذا مصيرنا .
رد يحيي قائلا : اعلم ولكن انا قلبي لا يستطيع فراقك يا فيروزتي.
الملكة : ولكن فراق سوي فراق الأجساد ؛ أما فراق الروح لا يوجد فأنا اسكن روحك وانت تسكن روحي ؛ لا تقلق ففي كل وقت سوف تسمعني وأنا احدثك ؛ وستشعر بابنتنا كأنها بين أحضانك .
يحيي : نظر في عينها ثم أرتمي بين احضانها يحتمي من وجعه .
( الحضن رغم أنه شيء بسيط بس كفيل أنه يحول النار لرماد ؛ حضن العشاق ليس بالحضن الجسد فهو بوابة حضن الأرواح ؛ فكم من روح عاشق محظوظ بحضن روح معشوقه )
وعند مطلع الفجر ذهب يحيي بعد أن ودع زوجته وابنته ؛ ثم ذهب عند ذلك البا الذي جاء منه اول مرة .
وبمجرد خروجه من هذا الباب وجد نفسه عند ذلك الباب الذي كان يقف عنده أول مرة ولكن سرعان ما فقد الوعي .
وبعد فترة من الزمن استعاد يحيي وعيه فوجد نفسه في المستشفي وحوله طاقم من الأطباء والممرضين .
فسأل الطيب بصوت مرهق قليلا : ماذا حدث ؟!
رد الطيب قائلا : حمد لله على سلامتك يا أستاذ يحيي أنت كنت مختفي منذ 21 يوما ؛ وقام اهلك بالبلاغ عن أختفائك ولكن بالأمس وحدك أحد العاملين عند باب هرم خوفو وكنت في حالة من الإعياء الشديد وفقدان الوعي ولكن ؛ تدخلت القدرة الإلهية استطعنا انقاذك .
يحيي : هذا كل ما حدث فقط.
الطيب : نعم .
يحيي : قامت بوضع يديه مكان الشامة فشعر كأنه يسمع صوت الملكة فيروز ومهرة الفيروز ابنته ؛ وهي تقول له حمداً لله علي سلامتك .
وشعر وكأنها تحضن روحه بين روحها .
فابتسم يحيي بحب قائلا وكأن روحه قد أضاءت من جديد
سأعود …سأعود قريبا يا فيروزتي ..سأعود لكي يا مهرتي .






